"محطّات الفراق"
شبكة نادي الصحافة السعودي ........... بقلم الكاتبة : شذى عزوز ...........
حروف اللغة العربية – لغة الضاد – تحتار في وصف النصيب وتوزيعاته، والقدر وتقسيماته فهو بيد الخالق تعالى وحده لاشريك له. حروفٌ متشابكةٌ متداخلة.. ومعاني غائرةٌ سحيقة.. ومحطاتٌ قاصيةٌ مرةٌ بطعم العلقم. حاءٌ.. و باءٌ.. و واوٌ.. و فاء.. كلماتٌ هنا، ومرادفاتُ هناك، حلّقت حول رؤوس البشر من الأحبة والعاشقين بجميع الصروف ولغات التائهين، اختلطت والْتبس بعضها ببعض فتشوّشت المفاهيم وتضاربت في الوجدان حد الأنين. فراقٌ وفُرقةٌ وافتراقُ الأحبة.. وبُعدٌ وانفصالٌ وتوديعٌ لأجزاء منّا ابتعدت. حزنٌ عميقٌ يعتري أوصالنا.. اكتئابٌ وغمٌ يتبعه أسىٌ على فراقهم أينما ذهبوا، وأسفٌ وحسرةٌ ومن ثم تعاسةٌ لتركهم يرحلوا دون رفقتهم، يهجم بعدها غضبٌ وحِنقٌ ونقمٌ لظروف الدنيا وتقادير البشر. وقبل الوصول للباب يتسللنا شوقٌ تواقٌ واشتياقٌ بلهفةٍ.. تلهو بنا صبابةٌ لهم وبهم ومنهم سواء، وحنينٌ لأيامٍ برفقتهم وأوقاتٌ معهم. يجتاحنا عذابٌ وشجونٌ وأذىً بكربٍ يلوك عقولنا قبل قلوبنا، وأفكارٌ وخواطر وتساؤلاتٌ كثيرةُ أن كيف ولماذا ولمن؟ ألمٌ ووصبٌ وتأوهاتٌ تغتال نظراتنا نحو الفراغ، وكآبة تأخذنا للمجهول، يتبعها مرضٌ وعِلةٌ وسقمٌ لا دواء له ولا ترياق. ويلفحنا يقينٌ أكيدٌ مؤكدٌ بمشاعر تواقةٍ، لايشوبها شكٌ أو ارتيابٌ أو يمسسها ثباتٌ على وقعها بداخلَ قلوبنا وأفئدتنا. إحساسٌ عارمٌ أرعنٌ جامحٌ لايستوقفه جدارٌ أو سدٌ أو حاجز، لا يمنعه بكاءٌ ولا عويلٌ ولا صمتٌ يفتت الأضلاع. ورُبّ لقاءٍ يعوضنا عن أوجاعٍ وضيمٍ اختلى بنا في لحظة وداعٍ نلتقي فيه التقاء الظمآن لقطرة سرابٍ من بعيدٍ أو صدفةٍ أرى فيها أحبتي، أجتمع بهم ليغسل أنّاتنا وقت انفصالنا حين الفراق. وضمةٌ في كنفِ بعضكم وحناياكم ليُظِلنا ويحمينا من فرط إحساسٍ يهاجم أرواحنا بعدكم ودونكم، نختمها بلثمةٍ قويةٍ تطلق عنا حروف جديدة للغةٍ أخرى لعلها تكون لغة الآه والشوق والراحة بلقياكم. تلك الأمكنة، والأزمنة، والمحطات، والمطارات تمتلك النصيب الأكبر من أوجاعٍ وآلامٍ وعبراتٍ لبشر افترقوا وابتعدوا ورحلوا بوداعٍ تناثر بعضه هنا، وتشتت آخرُ هناك كأوراق الخريف الملونة على أرصفة الزمان وطرقات المكان.
شذى عزوز سيدة الميزان