مشاهير وبس

مشاهير وبس

سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر

الكاتب / ياسر الثقفي

مشاهير وبس

في يناير من العام 2007 خرج عازفُ كمان أمريكي بزيّ متنكر إلى إحدى محطات مترو الأنفاق في واشنطن، وأخذ يعزف أشهر مقطوعاته الموسيقية، ولكن لم يتوقف للسماع له سوى ستة أشخاص فقط برغم تواجد الآلاف من حوله، عشرون شخصاً دفعوا له ما يقارب 32 دولاراً في محاولة لدعمه ودفع أجرة سماعهم له خلال الـ 45 دقيقة التي قضاها في المحطة.
لم يكن لأحد من الحضور أن يعرف أن هذا العازف (الغلبان) هو الموسيقار العالمي الشهير جوشوا بيل، وأنه يعزف علی آلة كمان قيمتها 3.5 مليون دولار، وأنه قبل يومين من لحظة عزفه في المترو، بيعت بطاقة الدخول لحفلته في أحد المسارح في بوسطن بقيمة 100 دولار.
ليعلن بعدها فشل تجربته الإجتماعية في دراسة الإدراك الحسي والتذوق الفني عند البشر.
صديقي بيل، من فضلك وكرماً وليس أمراً تعال (خذ لفة) على محتوى أغلب مشاهير مواقع التواصل الإجتماعية في بلدي، ستعلن بعدها اعتزالك العيش على هذا الكوكب وليس فقط الفن.
إنك لستَ بحاجة لكل هذه الآلات والأدوات الفنية، لتختبر ثقافة الشعوب أيضاً، كل ما في الأمر أن تظهر بشكل مشوّه ومظهر ساذج، وتبدأ في ترديد نكات غبية و (تِعمل حالك أهبل) ستجد نفسك في غابة من الجماهير، وتبدو كما لو أنك القائد العسكري الشهير (هتلر) وهو يسير بين الملايين من جنوده، لتتلقفك الشركات حينئذ، وتنهال عليك عروض الإعلانات التجارية، وستجد نفسك بين يوم وليلة أغنى من كيم كيردشيان.
ومن هنا تكون قد صنعتَ نموذجك للحياة، وأصبحتَ معياراً للتابعين في تقييم كل شئ، لتتسلل وقتها مشاعر العظمة والأبّهة لنفسك وتبدأ تصدق بأنك فعلياً النموذج الصحيح لهذا الوجود، وأفكارك ومعتقداتك وخرابيطك هي الحقيقة، وما عدا ذلك فهو الضلال المبين.
وقد يتم استغلالك من قبل المتربصين ودعمك واستثمارك للإساءة لبلدك، وتشويه مجتمعك، فتتخلى عن هويتك وتنسلخ من حضارتك.
أما أنا، وحتى يتقبل الناس عزفي الجميل، وطرحي الراقي، وشِعري العذب، فلابد أولاً أن أكون مشهوراً، مشهوراً بأي شئ، المهم أن أخرج عن المألوف والذوق العام والواقع، لأشتهر ثم بعدها أبدأ في إيصال رسالتي والتي في كل الأحوال ستعجبهم، حتى لو كانت الأفكار سخيفة فأنا أصبحت (مشهوراً) وبالتالي فأنا قدوة وكل ما سأفعله سيحبونه ويقلدونه ويتأثرون به.
عرضتُ على أحد أصدقائي صورة لحقل من القمح تحلق فوقه مجموعة من الغربان، وقلت ما رأيك بهذه اللوحة الفنية، وهل من الممكن أن أكون ذات يوم رساماً مشهوراً؟ تأملَ في الصورة قليلاً ثم قال لي بلهجة جحازية رقيقة: (روح انتحر...)
لم تعجبه اللوحة، لأنه كان يعتقد أنني أنا من رسمها، ولكن لأن راسمها هو الرسام العالمي فان جوخ، فقد قُدرت قيمتها بـ 27 مليون دولار، وللعلم هو ذهب بعد رسم هذه اللوحة إلى الحقل لـ (ينتحر) فقد أطلق على قلبه رصاصة الرحمة، وقتل نفسه بسبب حالة الاكتئاب التي كان يعانيها.