إحلام زائفة ..
تبلغ تالين من العمر عشر سنوات وهي لاجئة لبنانية تعيش في إحدى دار الأيتام التي أنشأها الهلال الأحمر القطري ، فقد فقدت أسرتها بالكامل أثناء قصف قريتها التي تقع على أطراف لبنان ، كانت تمتلك صفاتا تميزها عن غيرها فقد اتسمت بقوة الشخصية والجرأة والجمال والإعتماد على النفس . وبالرغم من ذالك كانت حانقة على الحياة التي تعيشها بسبب الفقد والغربة التي عاشتها منذ صغرها ، كانت تفضل اللعب لوحدها بعيداً عن جميع من حولها ، فاتخذت من الليل صديقاً لها تتقاسم معه أحلامها ، كل ليلة تجلس على شرفتها تسامر نجوم السماء كانت النسمات الباردة تحرك أحزانها التي تسكن قلبها وتتمايل به مثل تمايل أغصان الأشجار عندما يداعبها الهواء ولكنه لا يحمل منه أي شي ، تنظر إلى السماء التي اتشحت بالسواد وعينها تمتلىء بقطرات تشبه الندى ، وكأنها تبحث لها عن مكان بين نجومه تهمس بداخلها : ليت لي جناحين أحلق بها عالياً لأعانق تلك النجوم ! فلا عجب لأنها كانت من يهوّن عليها تعب الحياة وقسوة الأيام ، تظل على هذا الحال إلى أن يرحل الليل ويحمل معه أحاديثها بكل ما تحتويه من أحزان وآلآم وانتظار على أمل لقاء آخر . عندما بلغت سن العشرين كان شعفها الأكبر هو الهجرة إلى إحدى الدول الأجنبية لإكمال دراستها والعمل و بنفس الوقت تحقق الحياة التي كنت دومَ تطمح لها ، ومع مرور الأيام أصبح السفر هو هاجسها الوحيد ، ففي إحدى الليالي وبينما هى تتصفح هاتفها لمحت بعينها ما أبهج قلبها وجعلها تقفز فرحاً وتعلو ضحكاتها الممزوجة بصرخاتها وتهتف عاليا أخيرا أخيرا .. هرع إلى غرفتها المحيطين بها فقد لفت صوتها العالي انتباههم وعندما نظرت إليهم وجدت علامات الإستفهام قد بدت على وجوههم ، فارتسمت على وجهها تلك الإبتسامة ووضعت يدها على قلبها صحبتها تلك التنهيدة التي كانت تنبض بالفرح ، عمّ السكون المكان والجميع يتبادل النظرات ، فقالت بصوت يرتجف : أخيرا سوف يتحقق حلمي ، عمّت الفرحة الجميع وتعانقت الضحكات والنغمات ، فقد كان الجميع يعلم برغبتها في السفر ، سألتها إحداهن كيف حدث الأمر ، كان الجميع يتلهف لمعرفة الخبر ؟ أخبرتهم أنها أثناء تصفحها لهاتفها رأت إعلاناً
محتواه ( حقق حلمك وابدأ رحلتك للدراسة في جامعة ستانفورد،كاليفورنيا بأقل الأسعار ) رغم اجتماع الجميع حولها يشاركونها فرحتها لم تشعر بوجودهم ! فقد كانت جسداً فقط ، قد حلقت روحها عالياً تحمل معها أشواقها ومستقبلها الذي طال انتظارها له ، كانت وقفتها تلك الليلة على شرفتها تختلف كل الإختلاف فعند اقترابها منها جثت على ركبتيها وتشابكت أصابعها وضمتها إلى قلبها وأغمضت عينيها وسالت دموعها وارتجفت شفتاها وداعبت نسمات الليل خصلات شعرها المنسدل على وجنتيها ،، كان الصمت يتحدث بكل اللغات ، فغارت من صمتها النجوم وكساها الحزن وكأنه وداع بدون لقاء .كان المبلغ المطلوب للسفر يفوق قدرة تالين ، ولكن رغبتها في السفر جعلتها تحاول جمعه بشتى الطرق ، باعت كل ما لديها من ثياب وحلي ، ولم تكتف بذلك بل واستدانت المتبقي منه على أمل السداد بيوم من الأيام ، فهي قد وضعت لها هدف ولابد أن تصل إليه مهما كلفها الأمر .. وبالفعل تم لها ما أرادته وتم تحديد موعد السفر باليوم والليلة ،، وكان الإتفاق أنها عندما تصل إلى هناك ستجد من يرتب لها جميع متطالبتها من مكان الإقامة والدراسة والعمل أيضاً ،، وجاء اليوم المنشود ، ذلك اليوم الذي لم يغمض لها جفن ، ظلت تحدق في سقف الغرفة تارة والإنصات لدقات الساعة ثانية بثانية تارة والسير فى جنبات الغرفة تارة وقضم اظافرها تارة أخرى ، ظنت أن الوقت يعاندها ولا يريد السير سريعاً ، وأثناء ذلك اختلست النظر إلى شرفتها ولمحت لمعان النجوم وكأنها تذرف دموع الحزن .. نعم إنه آخر لقاء يجمع بينهما ، لقد كان الفراق الذي لابد منه ، ثم دقت عقارب الساعة معلنةً قرب الرحيل ، وصَحِبه صوت المركبة التي سوف تقلها إلى المطار ، فابتسمت إلى النجوم وأرسلت لها قبلة الوداع ، كانت كغزال يعدو بين الحقول وكأنها تسابق الزمن ، عند دخولها طلبت من السائق أن يقود بكل ما لديه من سرعة خوفاً من أن يفوتها موعد الرحلة ، نظر إليها وأخبرها بأن لا تقلق ، وهدئ من روعها ستصلِ بالموعد المحدد بإذن الله ، وطلب منها ربط حزام الأمان ، لم تشعر بطول الطريق فقد كانت غارقة في أحلامها التي بعينها قد أصبحت أقرب للحقيقة ، ولم يوقظها إلا صوت السائق بقوله لقد وصلنا أتمنى لك رحلةً سعيدة ، كانت قدماها ترتجف وقلبها تتسارع نبضاته ، فوضعت يديها عليه لتشعره بالأمان ، كان المكان غاية في الفخامة والإتساع ، ويعج بكثير من البشر ، هذا مغادر ، وهذا يستقبل ، وذلك مودع ، وبينما هي في وسط تلك المعمعة سمعت : تعلن الخطوط الجوية عن موعد إقلاع رحلتها رقم 257 المتوجهة إلى مطار سان فرانسيسكو الدولي وعلى السادة المسافرين على متن هذه الرحلة سرعة التوجة إلى بوابة الخروج رقم 7 استعداداً للصعود إلى الطائرة وشكرا ..وعند وصولها إلى البوابة سألها الموظف : أليس لديك حقايب ؟ أومأت برأسها : لا ، فاعتلت محياه الدهشة وطلب منها رؤية التذكرة مما زاد حيرته أكثر ، فما كان منه إلا أن تبسم وأرشدها إلى الطريق الذي تسلكه ، وعند سيرها نظرت خلفها فإذ به ينظر إليها بطريقة أثارت استغرابها !! ولكن لم تعره أي اهتمام ، عند ركوبها للطائرة شعرت وكأنها نبت لها جناحان وحلقت بهما عالياً كما تمنت ، ما هي إلا دقائق وإذا بها تنصت إلى أجمل لحنٍ سمعته آذانها ، و لطالما انتظرته منذ زمن بعيد ، وكأن الحياة آلة موسيقية ، والناس هم من يصنعون ذالك اللحن ، عندما سمعتها أثارت جميع حواسها فامتزج الألم بالأمل ، والحزن بالفرح ، كانت تلك المعزوفة هي ( لقد حان موعد الإقلاع ) .. فى تلك اللحظة أغمضت عيناها وعلى شفتاها تلك الإبتسامة ، أحست حينها بالأمان والطمأنينة تتسلل إلى قلبها ، كانت تنظر إلى الحياة من خلال تلك النافذة الصغيرة التي وضعت رأسها عليها وكأنها تتكأ على كتف أبيها الذي كانت دوماً ماتلجأ إليه عندما تبكي فتشعر بحنانه وخوفه عليها ، وغطت في نوم عميق إلى أن تطرق إلى مسامعها : أعزائي المسافرين على متن الطائرة الرجاء ربط أحزمتكم والبقاء في مقاعدكم لحين هبوط الطائرة فى المطار ؛ دبت روح الحماس داخلها وأعلنت ميلادها من جديد ، همست لنفسها أخيراً أنا حيث أريد ، سأبدأ حياة جديدة وأطوي صفحة الماضي ، ستزهر حياتي وتتلون بألوان الطيف ، رحل التعب والشقاء والعناء ، كان قلبها يرقص فرحاً وسعادة ، فهي بنظرها أنها وصلت للحياة التي اختارتها بيدها ورسمت تفاصيلها ، ولكن هل سيسير كل شئ ٍكما خططت له !! هل ستجد جمال الحياة والسعادة التي طالما حلمت بها ....؟
...قبل إكمال سرد قصتي ،، يجب أن نؤمن : نحن لا نختار أقدارنا كما نختار حكاياتنا .. لهذا نمتلك بدايات الحكايات لكننا لا نملك نهاياتها ، تتغير في حياتنا عدة مفاهيم حينما ندرك أن البدايات ليست مقاييساً حقيقية ، وأن الأمر بيد القدر ...
كان كل شيء يسير كما خططت له، وكانت أول خطواتها على أرض المطار هى بداية تحقق الحلم ، نزل جميع الركاب واتجهوا إلى صالة القدوم ، كانت عينها تراقب من الذي ينتظرها ، وكيف تتعرف عليه !! عند دخوله للصالة ظلت تنظر يميناً ويساراً والجميع من حولها يستقبلون أحباؤهم فتستمع أذناها لعبارات مختلفة بين الترحيب والتهليل والضحكات والبكاء ، ظلت على هذا الوضع لساعة وساعتان وثلاث وأكثر بكثير ، ولم يقترب منها أحد فبدأ القلق يتسلل إليها ، والإرتباك يظهر على جميع تصرفاتها ، وما زاد الأمر سوءاً أنها لا تتقن لغتهم الأجنبية . ظلت على حالها إلى أن حل الليل ، كانت مرهقة الجسد والفكر ، تعبت قدماها من السير والبحث عن أي طريقة تجد منها مخرجاً مما هي فيه ، كان الهواء شديد البرودة وقد أنهكها التعب ، فلم تجد غير ذلك الكرسي الذي يكفي لثلاث أشخاص لتمدد جسدها عليه ، ولكن كان المكان موحشاً ، فرأت أمامها زجاجة مشروباتٍ قامت بكسرها وأخذت جزءاً منها وضمته بين أضلعها حتى تحمي به نفسها من أي أذىً قد تتعرض له ، لم يكن لديها سوى الثياب التي ترتديها وحقيبةً صغيرة ًبحجم كف اليد تحمل بها أوراقها الشخصية ، ضمت جسدها بين ذراعيها وغطت بنوم عميق ، وبينما هي على تلك الحال شعرت بقرب شخصٍ منها ، فهمت بمهاجمته بتلك الزجاجة وكادت أن تصيبه ، وعندما امعنت النظر وجدتة عامل النظافة الذي يعمل في المطار كان من الجنسية المغربية فسألها عن سبب بقائها هنا ؟ أخبرته أنها تنتظر من يأتي ليقلها إلى مكان سكنها ، نظر إليها وقال : لن يأتي أحد ليأخذك ، بدأ الخوف عليها وسألته : لماذا تقول ذلك ؟ بادرها بقول : لست ٍأنت الوحيدة الذي حدث لها ذلك فكثيرٌ من الفتيات تم خداعهن وسلب أموالهن وإرسالهن لمواجهة مصيرهن المجهول ؛ عندما رأى خوفها وسمع صوت نحيبها سألها : أليس لديك من تذهبي إليه ؟ صرخت في وجهه لا أعرف أحداً ، وليس معي مالاً ، والآن أنا وحيدة ، صرفت كل ما أملك على هذه الرحلة و ضربت الحائط بكلتا يديها ، كانت الكلمة التي تكررها : ياويلي خسرت كل شي ، ماذا أفعل ؟ ظلت على هذا الحال فترة ، فما كان منها إلا أن ذهبت إلى إدارة المطار لتخبرهم بكل ما حصل لها ،، ومن حسن حظها أنه كان هناك من يعرف التكلم بلغتها ،، ولكن يقال : ( القانون لا يحمي المغفلين ) !! لم تكن حينها تعلم أنها وقعت ضحيةً لعملية إحتيال ، وأنهم لم يكتفون بأخذ المال ، بل لم يتم توفير أي شيء مما تم الإتفاق عليه ، والأصعب من ذلك ، كانت تذكرة السفر خروجاً بلا عودة .! حينها عرفت تالين سر ذهول ذلك الموظف عندما رآها لا تحمل أي حقيبة ؟ و أنهم استغلوا لهفتها للسفر ، بل وكانت صيداً سهلاً لهم ! لم تعرف ماذا تفعل حينها ؟ أين تذهب ؟ وكيف لها تدبير أمورها ؟ فهي لا تملك شيئا يمكنها الإنتفاع به ..عادت إلى ذلك الكرسي الذي أصبح هو ملجؤها الوحيد ، ظلت على هذا الحال لمدة اسبوعين ، بلا مأوى وحيدة غريبة تقتات على القليل من الطعام ، في أحد الليالي لم تستطع النوم فإذا بها تشعر بأحدٍ يقف خلفها ، ويزداد قرباً منها وعند التفاتها إليه إذ بها تبصر فتاةً من ذوات البشرة السمراء مجعّدة الشعر ، نحيلة الجسم ، يعلو جسدها أشكالاً مختلفةً من الأوشام ، ترتدي ملابس زاهية الألوان ، ورائحة عطرها تملأ المكان ، كانت تنظر إليها ! فأخذت تالين تحاول نفض القاذورات عنها وترتب ثيابها التي اتسخت من عدة جهات ، ظلت تنظر إليها فترةً من الزمن ثم أدارت ظهرها وسارت خطوات بسيطة وقالت : إتبعيني ، أجابتها : أنا ؟ نظرت إليها بطرف عينها وقالت : أيوجد أحداً غيرك هنا ؟ أم أنه راق لك المكان !! سارت خلفها دون أن تنطق بكلمة واحدة ، كانت هناك سيارة أجرة تنتظرها أمام المطار ، كان الصمت سيد الموقف ، شعرت تالين أن هذة الفتاة مثل طوق النجاة الذي سوف ينقذها مما هي فيه ، أرادت أن تكسر ذلك الصمت وبنفس الوقت تزيل الخوف الذي اعتراها ، فأخذت تقص عليها ما حدث لها ، فلم يحرّك جميع ماقالته فضول تلك الفتاة !! بل ازدات صمتاً ، أخيراً وقفت السيارة وترجلتا منها ، كان المنزل الذي وقفت أمامه غاية في الفخامة والجمال ، تفاءلت تالين كثيراً وكأن الحظ إبتسم لها .. ولكن ماحدث كان عكس ذلك بكثير ، فقد سارت تلك الفتاة باقي الطريق على أقدامها ، فإذا بها تدخل إلى حيٍّ يدعى ( سكوير إيلامو ) وهو من أفقر الأحياء في تلك المدينة كانت تضيق طرقاته ومبانيه ، وتقل إضاءته شيئاً فشيئاً ، بل وهناك عشرات النساء والرجال يفترشون الأرض ، ناهيك عن الروائح الكريهة الذي تعم المكان ، أخيراً وصلنا إلى مبناً بعشر طوابق يشبه علبة الكبريت ، عند دخولنا أشعلت مصباحاً صغيراً لكي نرى طريقنا بين تلك الأجساد التي تتناثر هنا وهناك .. كان للسلالم صوت أزيزٍ عالٍ وكأنها آيلةً للسقوط ، أمسكتُ بثيابها من شدة خوفي ..بدأ التعب و الإجهاد يعتربني فقد كانت تلك السلالم كفيلةً بقطع أنفاسي ، وصلنا إلى أعلى المبنى وكان سطحه يحتوي على غرفةٍ صغيرةٍ وكأنها أحد غرف السجون التي نشاهدها في الأفلام ، كانت ضيقةً تحتوي على سرير بالكاد يكفي لشخصٍ واحد ، ودورة مياة بابها قطعة من القماش الثقيل ، أما الجدارن كانت تسكنها أفراد من العناكب التي نثرت شباكها وكان المكان مكبٌ للنفايات ،، نظرت إليها وسألتها كيف تعيشين هنا ؟ لم تعرني أي اهتمام وألقت بنفسها على ذلك السرير وغطت بنوم عميق ، نظرت حولي وقلت بداخلي إنه أفضل من النوم بالعراء وسحبت ذالك اللحاف الملقى على الأرض وافترشته ودخلت في نوم عميق لم أشعر بشيء وكأني لم أنم منذ زمن بعيد ، لم أعلم كم من الوقت مر علي وأنا نائمة ، حين نظرت إلى السرير لم أجدها علية ! وعند فتحي للنافذة رايتًُ الظلام دامس علمت حينها أنني قد نمت طول اليل والنهار ولم أشعر بشيء ابدا ، حينها نظرت خلفي و همست لنفسي أصبح هذا المكان مثل بيت لي وقمت بتظيفه وإزالة جميع الأوساخ ، وترتيبه ، ولم اكتفِ بذلك ، بل أيضاً أعدت الحياة إلى جسدي الذي لم يلمسه الماء لمدة أسبوع وأكثر ، وعند قرب بزوغ الشمس عادت تلك الفتاة تحمل معها طعام وضعته على تلك المنضدة واستلقت على ذلك الكرسي ، نظرت إلى المكان بتعحب ولم تنطق بكلمة واحدة ، فبادرتها ما اسمك ؟ ؛ وأين كنتِ ؟ أجابت( تامينا ) وأعمل بملهاً ليليٍ ، قالت تلك الكلمات وغطت في نوم عميق ، ظللت على هذا الحال مدة ثلاثة أيام ، وذات ليلة عندما أرادت الخروج طلبت منها أن تأخذني معها لكي أعمل فبادرتني بقول وهل تستطيعي العمل معي ؟ قلت لها : نعم ، فطلبت مني ارتداء تلك الثياب التي في الحقيبة ، ولكن عندما رأيتها رفضت وبشدة كان لباساً شبة عارياً لجميع مفاتني فرجوتها ألاّ تجبرني على شيء لا أٌريده وبسبب إلحاحي عليها رضخت لطلبي ..كان المكان مزدحمً بأجناس مختلفه من البشر و تميل أغلب الأماكن إلى الظلام وتعلوها موسيقة صاخبة بلغات مختلفة ، كانت تالين رائعةً في الجمال ذلك الجمال العربي اللافت للأنظار ، فتعرضت لأنواعٍ كثيرةٍ من التحرش مما أجبرها على انتظار (تامينا ) خارج الملهى لحين بزوغ الفجر ، عند عودتها أبدت استياءها من المكان ومما حصل ، وخاضت شجاراً قوياً معها ، مع مرور الأيام وجدت لها عملاً في متجرٍ للمواد الغذائية يقرب من سكنها ، ولكن هذا لم يكن كفيلا في تجنبها للأذى عند ذهابها وإيابها ، مضى الوقت ولكن كان كئيباً ثقيلاً مملاً على تالين ، كان الخوف يصاحبها ويكبر كل ليلة ، أحسّت ( تامينا ) بخوفٍ على ( تالين ) ، فقامت بتدريبها على بعض من فنون القتال وكيفية الهروب في حال محاصرتها عن طريق الأنابيب التي تمر من جانب النافذة ، مرت ثلاثة أشهر منذ التقتا مع بعضهما ، كان الشعور متعاكس بينهما ، تامينا أحست بقرب تالين منها وأسعدها ، فقد وجدت فيها الأخت والصديقة والأنيسة ، ملأت عليها حياتها دفئاً وجمالاً ، ملأت عليها البيت وأعادت إليه روح العائلة المتماسكة ، أما تالين فكانت تحن للرجوع إلى لبنان ، هي لم تأتِ إلى هنا لتعيش هذه الحياة ؟! أخيراً وبعد تفكيرٍ عميق قررت العودة إلى لبنان وكان هذا الخبر كالصاعقة على تامينا ، حاولت ثنيها عن الأمر ولكن كان إصرار تالين أكبر .. سألتها وكيف ستعودين وأنت لاتملكين المال كيف ؟ قالت لها سألجأ للسفارة اللبنانية لتساعدني على العودة ، فطلبت منها أن تذهب نهاية الأسبوع ليتسنى لهما الاحتفال قبل سفرها . أمضينا ذلك اليوم خارج البيت ، تبادلتا أطراف الحديث إلى وقتٍ متأخر ، عند عودتهما كان ذلك السرير برغم صغره إلا أنه كان يتسع لجميع أحلامهما وضحكاتهما ، كانت ليلة الوداع من أجمل الليالى وهي أيضاً أول ليلةٍ تنامان بجانب بعضهما منذ أن تعارفتا ، عندما استعدتا للنوم سألتها تالين : ما الذي جعلك تأخذينني معك تلك الليلة ؟ أجابتها : لأنني كنت مثلك !! تعرضت لحادثة نصبٍ ولكن ليس لي مكاناً أذهب إليه ، فقررت الحياة هنا ، إبتسمت إليها تالين وقالت : لن أنساك أبداً ما حييت وغطّت في نومٍ عميق ، كانت تلك الليلة قد حُفرت في ذاكرتهما جميعاً ولن تُنسى للأبد ، وكانت هادئةً دافئة ، عندما فتحت تالين عينيها أحسّت بشيءٍ بين يديها ! وحين أمعنت النظر وجدته سكيناً ملطخةً و يديها بالدماء ورأت تامينا بجانبها غارقةً في دمائها وقد نحرت رقبتها عن جسدها !!! إرتعبت وسقطت من على سريرها وأغمضت عيناها وهي ترتجف وتتمتم بكلمة لست أنا لست أنا وهي تحاول إزالة الدم من على يديها ، كانت في قمة الفزع والخوف ، غطّت الدماء كامل وجهها ، وبدأت تسأل نفسها : كيف حدث ذلك ؟ هل يُعقل أن أكون أنا من قتلها ؟! لماذا لم أشعر بشيء ؟! حاولت أن تمالك نفسها ، وبدأت الإقتراب منها ، عندما نظرت إليها كانت عيناها شاخصة البصر وكأنها رأت كل ما حدث لها ! كان هناك عددٌ كبير ٌ من الطعنات بكامل جسدها ، وسألت نفسها : كيف جاء ذلك السكين بين يدي ؟ ماهي إلا دقائق وبدأ الباب يُطرق ، فتحته على أمل أن تجد من يمد لها يد المساعدة ، فكانت ( جينيفر ) صديقة تامينا المقربة جاءت لتقلها كما اعتادت إلى الملهى ، وعندما رأت الدماء على يديها سألتها : ما هذا ؟ مالذي حدث ؟ لم تنطق بكلمةٍ واحدة والدموع تسيل على وجنتيها وتنظر باتجاه السرير ، فدخلت مسرعة فرأتها غارةً في دمائها إلتفتت إلى تالين وقالت لها :لم فعلت ذلك ؟ لم قتلتها ؟! كانت تحبك مثل أختها لما .!!صرخت تالين بعالي صوتها لست أنا ، أقسم لست أنا ، بادرتها بقول : إذاً من ؟ أخبريني .. قالت لا أعلم من ،، وأخذت تتلعثم بكلمةٍ غير مفهومة ، في تلك اللحظة غادرت ( جينيفر ) وأقفلت الباب من الخارج ، حاولت تالين فتح الباب ولم تستطع فوضعت أذنها على الباب سمعتها وهي تبلغ الشرطة عن الحادثة ، ففزعت من كلامها وأخذت تطرق الباب بكامل قوتها وهي تصرخ لست أنا لست أنا ولكن ليس هناك من مجيب ..أصابت تالين حالةٌ من الفزع حاولت أن تتمالك نفسها ، وعندما سمعت سيارة رجال الأمن أيقنت أنه لن يصدقها أحد ، وأن كل الأحداث لا تسير في صالحها ، فى تلك اللحظة تذكرت ما تعلمته من تامينا فما كان منها إلا أن حاولت الفرار من النافذة واستخدام تلك الأنابيب بالطريقة التي تعلمتها ، بعد تعب وعناء أخيراً وصلت إلى الشارع وظلت تركض بسرعة وهي حافية القدمين إلى أن إختفت عن الأنظار ، واصلت الركض إلى أن وقفت قدماها بجانب بيتٍ مهجور ٍ اختبأت فيه إلى أن خيّم الظلام ، كان مرور الوقت كافياً ليهديء من روعتها ، عادت إلى ًًًالمكان مرةً أخرى لتعرف ما اللذي حدث ولكن وجدت كثيراً من رجال الأمن يطوقون المكان ، عادت أدراجها فرأت حديقةً عامة ، جلست على أحد المقاعد تحاول ترتيب أفكارها لتعرف ما اللذي عليها فعله ؟ فإذا بها تشاهد على شاشات العرض صورتها والمطالبة بالقبض عليها و وضع مكافاةً ماليةً لمن يدلي بمعلومات عنها ، يااا إلهي !! بلحظة واحدة تحولت إلى قاتلة ؟أين المفر ؟ فهي لا تعرف أحداً ، ولا تجيد التحدث إليهم ، وظلت تسأل نفسها : من قتل تامينا ؟ كيف أُثبت براءتي ؟ هل سوف أقضي بقية حياتي خلف أسوار السجن ؟ ليتني بقيت في لبنان ، فقدت كل شيء والآن سوف أخسر حياتي للأبد ،كان الهروب حلها الوحيد فقد كانت تخشى أن تقع بين قبضت رجال الشرطه وتعاقب على جريمة لم تقترفها ، ظلت تتنقل بين مكان وآخر إلى أن استقرت في حي ( بايفيو ) الذي يعد من أخطر الأماكن وترتفع نسبة الجرائم فيها عاليا ، ازداد حالها سوءاً بل وأصبحت مثل المشردين تفترش الأرض وتقتات على فتات الناس ، رثت الثياب ، كريهة الرائحة ، تملكها اليأس والخذلان ، أرهقتها الحياة ، ظلت على هذا الحال فترة طويلة ، و لم تكن تعلم أن هناك عين تتربص بها وتراقب جميع تحركاتها بل وتنتظر اللحظة التي تقترب منها ، كانت تالين في إحدى الليالي تقف بقرب أحد المقاهي فاقتربت منها فتاة تكبرها بخمس سنوات تقريبا ، أدخلت يدها في جيبها وأخرجت علبة سيجار وعرضت عليها أخذ واحدة منها فرفضت بقول (نو ) فتبسمت تلك الفتاة وقالت لها تستطيعين قول ( أنا لا أدخن ) أعرفك باسمي أنا ( ساندي ) أمتلك وأدير المقهى الذي تقفي بجانبه ، قفزت تالين عاليا وقالت : أخيراً وجدت من أستطيع التحدث معه ، تبادلتا أطراف الحديث وتسللت الراحة إلى قلب تالين فقد كانت ساندي من نفس جنسيتها مما جعلها تشعر براحة إكثر معها بالإضافة إلى ذلك كانت شديدة الذكاء و تجيد انتقاء عباراتها بكل مهارة ، شعرت من حديث تالين أنها تريد فقط شخص يشعرها بالأمان الذي فقدته وينتشلها من البؤس الذي تعيشه فأجادت العزف على ذلك الوتر ، فما كان من تالين إلا أن قصّت عليها كل ما حدث معها على أمل أن يرق قلبها لها ، وبالفعل تم لها ما أرادت ولكن ليس الكل حسن النوايا ، مدت لها يد المساعدة قامت بتوفير مسكن ٍ وثيابٍ وطعامٍ لها إلى أن تجد لها مركباً يقلها إلى لبنان ، كانت في غاية الفرح ، أخيراً سوف ينتهي ذلك الكابوس الذي عاشت فيه أشهراً طوال ، بينما كانت تستعد للنوم دخلت عليها ( ساندي ) وطلبت منها حزم أمتعتها لقد حان موعد السفر ، ماهي إلا ساعاتٌ قليلة وإذا بها تقف أمام ذلك المركب ، ودّعتها بكل حرارة وكأنها هي المنقذ اللذي أعاد إليها الحياة ، لم تكن تعلم أن ذلك المركب ملكاً لأكبر تجّار مافيا البشر و أن ساندي هي إحدى أعضاء تلك المنظمة وأنه كان ثمن تلك الرحلة بيع أعضائها ، رحلت إلى عالمٍ مجهولٍ لا تعلمه ، ما أصعبه من نهاية حلم ثم ضياع ثم جريمة ، وأخيراً مصير مجهول !! رحلت تالين ولا أحد يعلم مصيرها ، هل ستنجو بطريقة ما ؟ أم تصبح فريسةً لتجّار البشر !؟
النهاية ....
الكاتبة / سميرة عبدالهادي