المعطف
الكاتبة / موسيه العسيري
شبكة نادي الصحافة السعودي
ذهبنا معا للعشاء فوجدنا مطعم على ضفة النهر وجلسنا بقرب النافذة ونظرت إلى النهر وكان جزء منه متجمد فقال : لي مارأيك بأن نجلس خارج المطعم ونطلب العشاء على ضوء القمر ونشعل النار ؟؟ قلت له :هيا بنا وعندما خرجنا نسيت معطفي على مقعدي ؛طلعنا خارج المطعم وجلسنا واشتد البرد وانطفأت النار وخلع معطفة ووضعه على كتفي فقلت له: لقد نسيت معطفي على مقعدي
فقال لي: نعم ولم اذكرك به لأني اريد عطرك يثبت في معطفي واريد حنانك يعانق خيوط وتفاصيل معطفي لكي ارتديك عندما اشتاق لك
فقلت أ أنت شاعر ؟ فقال: ومن يراك كيف لا ينطق بالشعر !! فقلت له: هل تقصدني أنا ؟! فقال :نعم أنتي فقلت له: لحظة سأكتب كل ماتقول أو اسجل حديثك.
ابتسم وقال: تكتبي وتسجلي لماذا؟!
قلت له: اكتبه للذكرى واسجله لكي اسمعه عندما تراني وتعجز عن النطق بالشعر !! قال : أنتي غريبة لكن !!
فقلت له : لحظة لست غريبة لكن الدنيا عجيبة هيا فلنذهب . وعندما انتهينا من العشاء نسيت أن اعيد له معطفه اوصلني إلى سيارتي وعدت إلى منزلي؛ لم اخبره بعنواني.. وفي منتصف الطريق عدت إلى المطعم لكي احضر معطفي فقال لي صاحب المطعم : لقد اخذه من كان معك يجلس
فعدت إلى منزلي وأنا اذكر تلك الليلة.. مرت ايام وتلتها ايام إلى أن مرت سنة ؛ عدت من جديد إلى المطعم لكن لم نلتق فكل منا ذهب في يوم مختلف عن الآخر .. فقال صاحب المطعم لي: لقد كان هنا ولقد اعطاني هذا المعطف وقال اعطيه لك عندما تعودي إلى المطعم
فقلت لصاحب المطعم :هل هو هنا أم رحل ؟ فقال لقد رحل قبل قليل فقلت له: إذا عاد اعطيه هذا المطف ؛ ثم رحلت.. ونقلت من تلك المدينة إلى مدينة جديدة ؛
وهو ذهب في اليوم التالي إلى المطعم واخذ معطفه وكان يتردد كل يوم على المطعم على أمل أن اعود إلى المطعم ؛ لم يعلم أني رحلت ؛ وكل منا كتب رسائل طوال تلك السنة كنا نكتب كل يوم
رسالة إلى أن اصبحت مجموعة من الرسائل وكل منا واثق بأن الآخر كتب له رسالة بما لم يستطع النطق به امام الآخر وبعد مرور زمن طويل ؛ عدت إلى نفس المطعم ؛ وعادت لي تلك الذكريات فكأن القدر يريد أن يجمعنا ؛ لكن الظروف تصر على فراقنا .
فجلست بقرب نافذتي التي اعتدت الجلوس أمامها فوجدت رجل مسن يجلس خارج المطعم وكان يرتدي نفس المعطف الذي اعرفه منذ زمن فقلت في نفسي لماذا لا اذهب له لعله هو كان قلبي يسبقني وعقلي يقول هل من المعقول أنه هو !! لقد مرت سنوات عديدة؛
لكن لم اشعر بنفسي إلا وأنا اقف امامه فقال لي : لقد تأخرتي وكأنك سرقتي معك روحي وفرحتي .
فقلت له: اعد لي ذكرياتي التي سجنتني طوال تلك السنين بها!
فقال: اعيدي لي فرحتي لكي افرح وروحي لكي اعيش حياتي حتى ولو لم تكوني انتي شريكة حياتي .
فقلت له : لقد عدت لكي ادفن تلك الذكريات في فناء المطعم واعيش حياتي برفقة شخص ثاني
فقال لي :اتدفنين ذكرياتنا؟ فقلت نعم فما ذنب الشخص الثاني!
فقال : وما ذنبي أنا ؟ فقلت: القدر حال بيننا وإن كان لنا لقاء سوف نلتقي هنا .
بعدها كل منا ذهب وهو ينتظر من الآخر كلمة لا ترحل ؛ لكن القدر اكبر منا .
كان صاحب المطعم ينظر لنا وكأنه يريد أن يقول لا ترحلا..
لكن رحلنا ومرت سنوات وسنوات ولم نلتقي .. وبقي سؤال معلق هل كل منا قرأ تلك الرسائل التي كتبت له ؟