الخميس, 30 مايو 2024 07:13 صباحًا 0 270 0
العم خليل ...
العم خليل ...

العم خليل ... 


كانت ليلة عصيبة مرت على ( فرح )أيقضت مضجعها ، وجعلت النوم يهرب من عينيها ، بالرغم من ذالك ، ظلت مستلقية على سريرها، تراقب خيوط الشمس التي بدأت بالتسلل لغرفتها خلسة ؛ لتبدد ذالك الظلام الذي كسى جدرانها  لتعلن عن بداية يوم جديد، كانت أصوات المارة تختلط بضجيج محركات السيارات، شيئا فشيئا بدأت بإزالة ذلك اللحاف عنها، وقادتها قدماها المثقلة لتقف على شرفتها ، لعلها تبدد ذلك الحزن الذي عصف بها ، وجعل النوم يفر من عينيها لعدة أيام، إتكأت بكلتا يديها على الشرفة، وظلت تحدق بالمارة، وكأنها تبحث عن نفسها التي فارقتها، فقد تكابدت عليها الهموم من كل حدب وصوب ، وبينما هي على هذ الحال لفت إنتباهها ذلك الرجل الذي يجر عربة ، مليئة بألوان مختلفة من الورود، وقد بدأت عليه علامات الإعياء ، مما إضطره للجلوس على الرصيف المقابل لها، ومن ثم أخرج منديلا ؛ ليجفف به العرق الذي بدأ يتساقط على جبينه، رق قلبها له فهرعت بحمل كوب من الماء البارد ، واتجهت نحوه ، لعله يخفف عليه ولو قليلا من العناء  الذي أصابه، وعندما إقتربت منه وقف بشغف ، وارتسمت على شفتيه إبتسامة تشع بالحياة .
 دنى منها وسألها أي نوع من الورد تريدين ؟ صمتت وهمست بداخلها لقد كان متعبا قبل قليل والآن كأنه شعلة من النشاط، نظر هو حينها إلى يديها وقال لها :هل تريدين أن أضع بهذا الكوب ، وردة حمراء  أم بيضاء ؟ أو ربما تريدين زنبق .
 قاطعته بقول: أحضرته إليك ، تعجب من قولها وردد لي أنا ؟ فأجابته: نعم كنت أنظر إليك من شرفتي ، فرأيت التعب قد بدأ عليك ، وقلت لنفسي نحن بفصل الصيف ، والحر شديد، ولا بد أن يكون الضمأ قد أعياك .
 ولكن عندما أمعنتْ النظر لعينيه ، رأت الدموع تكاد أن تسقط منها ، فأصاب ( فرح )من الإرتباك الكثير، وسألته:لما تلك الدموع ، هل أخطأت بشيء  ؟ فأجابها: لا لا على العكس  ، وأخذ يمسح عينيه بمعصمه ، وهو يهمس ، حسنا أنتِ قدمتِ لي الماء البارد ، ولا بد  أن أرد  لك الجميل ، سوف أعرض عليك بعضا من ورودي ، ولكِ كامل الحرية في الإختيار، هل أَلُف لك وردة حنين ، أم غيداء، أو صفاء، وربما أردتِ وردة عماد أو سعيد، إزداد تعجبها ، وسألته وهل أصبح  للورد أسماء مثل البشر؟ أشار بيده لا لم أقصد ذلك ، سوف أشرح لك الأمر  وطلب منها أن تتفضل ، وتجلس بجواره، كانت تنبعث من ملابسه ، رائحة فواحة ، منعشة، تبهج القلب ، وتريح الروح ، فقد إمتزجت رائحة الورود ببعضها ، وفاح شذاها عليه .

 إلتفت إليها وهمس لها ما اسمك ؟ فأجابته (فرح ) وأنتَ ؟رد بقول: فرح ؟! ما أجمله من إسم ! فهو يدل على الإبتهاج ، وانشراح الصدر ، وأنا (العم خليل ) كما ينادوني سكان الحي ، كانت (فرح )بداخلها تهمس ولكني لا أملك من إسمي مثلما قلت ، إنه إسم فقط ، بلا إحساس ، وكم أكره سماعه ، لم يبتر حوارها مع نفسها سوى صوت العم (خليل) قائلا : ما أقصده بكلامي ، إن لكل وردة حكاية، ردت ( فرح ) لم أفهم قصدك ! هل تفسر الأمر بطريقة أوضح ؟ فما كان منه إلا أن أمسك بوردة صفراء، وبدأ يرشها بقطرات الماء ، ثم قال : أعرفك عليها هذه حنين ، ثم تبسم ،
 لقد إعتادت السيدة (حنين ) التي تسكن بتلك البناية ، كل صباح أن تشتري مني ورودا صفراء ؛ لترسلها لمقر عمل زوجها ، فإنها من فرط حبها له تغار عليه من نسمة الهواء الطاير ، لتشعره بمدى غيرتها عليه ؛ لذلك أسميت تلك الوردة حنين ، ثم إلتفتَ للوردة البيضاء ، وأمسك بها بلطف ، قائلا : وهذه (صفاء ) إنها  فتاة بالرغم من ثراء أبيها وتكبُره ، عندما تراني تترجل من سيارتها ؛ لتلقي عليٓ التحية ، وتطمئن عليٓ ، وتأخذ تلك الوردة، بضعف ثمنها ، ثم ترحل وهي مبتسمة، إستمال حديثه (فرح ) ، وبدأت تُنصتُ إليه بإمعان ، وسألته ليكمل ، حديثه الممتع، وتلك الوردة الحمراء لمن ياعم خليل ؟ بدأ يتمتم وهو يضحك ! آآآهٍ  عليها ، إنها ( لغيداء )تلك الفتاة السمراء التي تعمل مهندسة بشركة الكهرباء ، فمعظم العاملين هناك رجال ، ولكن لا أحد يلتفت إليها ، فقد تعرضت لحادث سير ، أصابها بعرج في قدمها اليسرى ؛ لذا طلبت مني إرسال الورد الأحمر كل يوم لتُشعر من حولها أن هناك من يُحبها برغم ظروفها ، وما يدهشني ردة فعلها ، عند إستلامها لها ! 
سألته (فرح) وكيف كان يبدو عليها في كل مرة ؟ أخبرها العم خليل أنها تارة ترقص فرحا ، وتارة تقبل الورد ، وتارة تغني ، وترقص ، أي كما يُقال لقد صنعت الكذبة، وصدقتها .
 حينها تعالت ضحكات فرح ، بصوت عالٍ ، حتى سال الدمع من عينها ، ثم أخذت تتمتم وهي تنظر إلي العربة ، حسنا ، وتلك الباقة المليئة بألوان مختلفة من الورود لمن ؟ أشار (خليل )بعد أن قضب حاجبيه تلك التي يسارا إنها السيد (عماد)مدير شركة التوظيف ، التي بآخر الشارع ، إنه يعشق النساء ، فقد تجديه يسير مع فتاة سمراء طويلة ، وبعد يومين بيضاء قصيرة، وعلى هذا المنوال ليس لديه وقت ، ليعرف ماذا تحب  أي منهن ؛ لذا إختصر الأمر بجمع ألوان مختلفة من الورود ، بباقة واحدة، لتجد أي منهن النوع الذي تفضله ،
 وأثناء حديثه سمع صرخة( فرح )وهي تنظر  إلى الرف ، الذي وُضع بوسط العربة ، ما أجمل تلك الوردة ! ذات اللون الأسود .
 وحاولت لمسها ، فتعالى صوت ( خليل )لا لا تلمسيها ! نظرت إليه بتعجب ، وقالت: لمن ؟  هل هي لشخصية مهمة ؟
 ضحك ( خليل )وهو يشير بيده ،
 أنظري ، لقد أتت صاحبتها ، تمتمت فرح أين ؟ أين هي ؟
 فإذا بتلك السيدة تتقدم ، من خلف (فرح) وألقت التحية عليهما ، نظرت إليها (فرح ) بتعجب ! فقد كانت سيدة ترتدي ثوبا وقفازا ، وقبعة ، وحقيبة يدٍ ، وحذاء ، وجوارب ، ومنديلا ، كساهم اللون الأسود وبدأ الحزن عليها بشدة، حملت تلك الباقة وغادرت .
 رأى (خليل) علامات الدهشة بادية على(فرح ) وسألها هل تريدين معرفة قصتها؟
 أومأت برأسها نعم . قال لها : إنها السيدة ( أسماء )من سيدات المجتمع بالبلدة ، توفي زوجها ، وولدها بحادث سير ، وقد إحترقت أجسادهما وتفحمت مع تلك العربة ، ومنذ ذلك اليوم ، وهي تحرص على وضع تلك الورود على قبرهما ، بنفس اليوم الذي ماتا به .
 رق قلب فرح عليها فمُصاب تلك السيدة أحزنها.
 إستمر الحديث بين (فرح) والعم (خليل) طويلا ، فلكل وردة قصة محزنة ، وأخرى سعيدة، أطفأ حديث (خليل )مع ( فرح )ما كان بها من حزن ، فقد إنشغلت بقصص غيرها ، وتناست جراحها، بتلك اللحظة إنشغل خليل قليلا ببيع الورود للمارة ، وكانت فرح تراقبه، كان بسيطا في تعامله والإبتسامة لا تفارق شفتاه . والجميع يعامله بكل حب وتقدير .
 قالت (فرح) لنفسها: ليتني أمتلك حياته ؛ لكنت سعيدة مثله ، ليس لديه ما يعكر صفوه ،
في تلك اللحظة نظرت بتمعن للعربة، فوجدت قطعة من القماش ، تغطي نوعا ما من الورود ، فأثار ذلك فضولها ، فاتجهت نحوها ، وعندما حاولت أن تسترق النظر إليها ، إلتفتَ ( خليل ) باتجاهها ، وقام بوضع يديه على تلك القطعة، شعرت (فرح ) أنه لا يريد أن يرى أحدا ، تلك الورود ، فعادت لتجلس مكانها بصمت .
أثناء عمل (خليل ) ظهر عليه علامات الإجهاد مرة أخرى ، فقد بدت أنفاسه بالتسارع ، وازداد تعرقه ، وأخذ يسعل بشدة ، وسقط على الأرض ، صرخت حينها ( فرح )بصوت عالٍ ، ما الذي أصابك ؟ كيف أساعدك ؟حينها أشار بإصبعه للحقيبة المعلقة على عجلة العربة، أسرعت (فرح ) إليها ، وبدأت تبحث بداخلها فوجدت علبة دواء ، غريبة الشكل ، واللون ، ثم عادت إليه وساعدته على تناول قرص منها، بدأ جسده يرتجف بالرغم من إرتفاع درجة الحرارة، فإذا (بفرح ) تنزع وشاحها عن جسدها وتغطيه به، ظل على هذا الوضع بضع دقائق ، ثم بدأ بالتماسك ، ليعود رويدا رويدا ، لوضعه الطبيعي، ثم أشاح بعينه (لفرح ) وقال لها: أعتذر إليك فقد أخفتُك، سألته: مالذي أصابك ؟ مد يده إليها ؛ لتساعده على الوقوف ، وأجابها: لا تشغلي بالك ، أنا بخير وعاد لعربته.

 إستوقفته (فرح ) وأصرت على معرفة قصته، خيم الصمت ، وتلاشت الضحكات ،  وأخرج ( خليل) تنهيدة، ثم جلس ، وأمسك بيدها ، لتجلس بقربه، نظر إليها بطرف عينه ، ثم بدأ يتحدث : أنا أدعى  (خليل أحمد )من الجنسية المغربية ، توفي والداي بحادث سير  ، كنت حينها أبلغ من العمر ، إحدى عشرة سنة ، فتولى تربيتي بعدهما عمي ( آدم )
كان بمثابة الأب الحنون ، أحسن تربيتي وتعليمي، تخرجت من كلية الزراعة ، ومن ثم عملت بمزرعة يمتلكها السيد ( أبو مازن )
مكثت أعمل لديه قرابة السنة، كان لديه فتاة تملك من الجمال وطيبة القلب  ، الكثير فوقعت بحبها ، وهي بادلتني نفس الشعور ، ظل الأمر في الخفاء ؛ بسبب الفارق المادي بيني وبينها، تقدم لخطبتها رجل ميسور الحال ، ولكن مع إصرار والدها رضخت لطلبه، لم أستطع تحُمل أن تُزف لغيري ، في ليلة زفافها تركت بلدتي ، وأتيت للعيش هنا، مررت بوقت عصيب ، فقد كنت غريبا وحيدا ولكن ، ولله الحمد حالفني الحظ ، و عملت بإحدى مشاتل الورود، كانت تعمل معي فتاة تدعى ( غصون ) في نفس تخصصي ، ونشأ بيننا من الود ، والحب الكثير ، بعد مرور سنتين، أخبرتها برغبتي بالزواج منها وتزوجنا ، عشت معها أياما بغاية السعادة ، فقد عوضتني عن فقد أبي وأمي وحبيبتي السابقة ، بل أعادت الحياة لقلبي، تمكنا أنا وهي من شراء قطعة أرض ، وأنشأنا عليها مزرعة، تختص بزراعة أنواع مختلفة من الورد، وبأحد أطرافها ، قمنا ببناء بيت صغير ، على هيئة كوخ ، كان في غاية الجمال، إستقرت أوضاعي المادية، وتم حملت زوجتي بطفلنا الأول، ولكن مع ترددها على طبيبتها ، تم إكتشاف  صعوبة إستمرار ذلك الحمل ؛ بسبب إصابتها بمرض مزمن بالقلب ، وقد تفقد حياتها أثناء ولادتها ، ولا بد أن تتخلص منه ، ولكنها رفضت بشدة ، حاولت أن أثنيها عن رأيها فأنا لا أريد من الدنيا سوى أن تكون هي بقربي، فكانت إجابتها الوحيدة، سوف أرحل شئت أم أبيت ، وأريد أن أهديك قطعة مني ؛ تظل معك أبد الدهر ، فلا تحرمني من عمل ذالك ،  بعد مرور أربعة أشهر على حملها تعرضت لحادث سير ، وتوفيت ، هي والطفل، إسودت الدنيا بعيني ، فقدت كل شيء في لحظة واحدة ، بعد ذالك دخلت في حالة إكتئاب شديدة، وابتعدت عن الجميع، عم الخراب بتلك المزرعة ، فلم أعد أعمل بها ، وخسرت تعاقداتي مع أصحاب محلات الورد ، التي كنت أتعامل معهم ، ساءت أحوالي المادية ، وأصبحت أتسول ثمن الدواء ، وأتناول مخلفات الطعام ، التي يلقونها المارة في الطرقات ، أو الحدائق العامة، إزداد تدهور حالتي الصحية ، ولكن لم ألقِ لها بالاً ، وذات ليلة ، إعتصرني الجوع، فخرجت ، لعلي أجد من يطعمني ، ولو بقايا طعامه ، كما اعتدت فازداد عليه تعبي ، وسقطت مغشيا عليه ، أثناء سيري، لم أشعر بنفسي ، إلا وأنا بالمشفى، بعد إجراء التحاليل لمعرفة ما أصابني ، تم تشخيصي بمرض سرطان الرئة ، وهو في مراحل متأخرة، وأنه لم يتبق لي من حياتي ، سوى أياما معدودة، عدت يومها لمنزلي ، الذي أصبح بيتا للأشباح ، وعند وقوفي أمام أسواره ، إذا بي أبصر تلك الوردة ، تشع جمالا برغم الدمار المحيط بها ، تمسكت بالحياة ، وازدهرت لتعيش، سألت نفسي: لما وصلتُ أنا لذلك اليأس ؟ واستسلمت له؟ أيقنت  حينها ، أني فقدت كل شيء ، ولم يبقَ لي شيء ، وأجهشت بالبكاء، مر أمامي شريط حياتي ، بحلوها ومرها، وأنا على هذا الحال ، إذا برجل يجلس بقربي ، وقد إتكأ على كتفي ؛ لأساعده على الجلوس ، ثم وضع عكازه بين قدميه ، وعندما أمعنت النظر لوجهه ، إذا به السيد غنام -( غنام هو رجل  يبلغ من العمر خمسة وستون عاما صاحب أكبر مزارع الفاكهة بتلك المدينة ، بل ومن أثريائها، يعيش وحيدا في قصره ، الذي يقع بأطراف المدينة ، يمتلك ملامحا حادة، تجعل الجميع ينفر منه )-وقفت إحتراما له  ، فأمرني بالجلوس مرة أخرى ، وسألني: هل تلك الأرض الخرب التي خلفي ملك لك ؟ أحزنني قوله ، فلقد كانت يوما ما جنة ، يفوح منها الشذى يعطر الأرجاء ، فأجبته : بنعم ، سكت قليلا ، ثم   قال:ما خطبها ؟ وماذا حدث لها ولك ؟ ولما وصلت لهذا الحال؟ فأخبرته بقصتي، كان يستمع إلي بإمعان شديد ، ولكن لا ينظر إلي ، بل كان يحدق بعينيه للأمام ، ويحرك لحيتة بيده ، بعدما أنهيت كلامي ، وقف على قدميه ، مستندا على عكازه ، وطلب مني أن أسمح له برؤية المزرعة من الداخل ، فأسرعت بفتح الباب ، ووقفت بجانبه، غاب قرابة الربع ساعة وعند عودته ، أخبرني أنه يمتلك الأرض التي تقع خلف مزرعتي ، وقد أراد أن يضم أرضي إليها، لم أنطق بكلمة واحدة ، وظللت أنظر لموقع قدمي ، فإذا به يمسك بيدي ويضع بها مبلغا كبيرا من المال ، لم أمتلك في يوم من الأيام ولو نصفه ، إستوقفته بقول سيدي ولكني لا أريد بيعها ، إستدار ببطىء وهو يردد وهل طلبت منك بيعها لي؟ ثم رحل، بدأ الليل حينها يسدل أستاره المرصعة بالنجوم ، وقد بلغ مني من التعب الكثير واستلقيت على سريري المترهل ، وأنا أضم بين يدي ذالك المال ونمت بعمق ولم يوقظني سوى الطرق القوي على الباب، عند فتحه وجدت تلك المحركات التي صُنعت لحرث الأراضي ، تقف أمامي وبجانبها عدد من الرجال، طننت أنهم ظلوا وجهتهم ، وعندما رأوا علامات الدهشة بادية علي ، أخبرني أحدهم أن من أرسلهم  هو السيد :
 ( غنام )ليساعدوني ، بإعادة إعمار المزرعة مرة أخرى، دبت الحياة في قلبي ، وكأن الدنيا إبتسمت لي من جديد ، وبالفعل عادت الأرض تزدهر بألوان مختلفة من الورود ، بل وأنواعا نادرة منها ، ويعود الفضل لله ، أولا ثم للسيد ( غنام )مع مرور الوقت ، تحسنت حالتي المادية،  بشكل كبير، مما أتاح لي فرصة، شراء قطعة أرض أخرى ، وضمها لمزرعتي ، بل و أصبح لدي من يعمل تحت إمرتي ، ومن ثم قمت بعمل تلك العربة ، ليس لبيع الأزهار فحسب ، ولكن لسماع قصص الآخرين ، ومشاركتهم أفراحهم ، وأحزانهم ، هذه هي قصتى .
 همست فرح ولِما قام ذلك السيد بمساعدتك ؟ أجابها : لقد ذهبت إليه وسألته ، نفس السؤال فكان جوابه لي : كان مصابي أكبر من مصابك بكثير، وسألقي على مسامعك تلك الكلمات التي سمعتها من أحدهم يوما ما ( نحن نعيش أقدارنا شئنا أم أبينا ولابد أن نتعايش معها بحلوها ومرها، وإن الموت لا يقرر وقته ، أحد من البشر ، فهو ملك لله وحده ، فلا تيأس ، فما زال للحياة بقية ) وبالفعل مر على لقائي بالسيد ( غنام )قرابة الثلاث سنوات ونصف ، ولا زلت على قيد الحياة بالرغم من قول الطبيب أن أيامي معدود .

 مسحت (فرح )دموعها ، ثم أشاحت بعينها إلى تلك الورود التي تحت قطعة القماش ، وقالت : ما سرها ؟ تبسم حينها (خليل ) وقال لها هل تذكري تلك الوردة التي رأيتها بعد خروجي من المشفى؟ هزت فرح رأسها بنعم قال: كانت تلك زهرة التوليب البيضاء ، منذ ذالك اليوم ، وأنا أقوم بزراعتها ، وإرسالها ، كل يوم إلى مشفى السرطان ؛ لوضعها بجانب كل مريض ، أعياه المرض ؛ لعله يتسلل الأمل إلى قلبه ، عند رؤيتها .
 إنتهى اللقاء ، وعادت ( فرح ) أدراجها وبيدها كوب الماء  ، وقد أيقنت بداخلها ، أن مصابها ، أقل بكثير من مصاب ( العم خليل ) فلديها من الصحة ، والأهل ، والأصدقاء ، الكثير ، لتتمسك به ، وستظل مثل زهرة التوليب ، صامدة ، أمام منغصات الحياة ، مهما عصفت بها .
 إنتهت قصتي .
 وقفة : ( بالفعل حياتنا  مثل الورد ، فيها من الجمال ما يسعدنا ، وبها من الشوك ما يؤلمنا ، وقليلا من الصبر يصنع ألف طريق للسعادة ) 

دمت بخير يامن تقرأ  ...  

      الكاتبة :
سميرة عبدالهادي

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر

محرر المحتوى

غاليه الحربي
المدير العام
المالكة ومدير عام ورئيس تحرير صحيفة شبكة الصحافة للنشر الالكتروني - مدير عام المنابر التعليمية والتربوية بالشبكة

شارك وارسل تعليق

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من إرسال تعليقك