منذ 3 يوم 0 48 0
قصة قصيرة ...فيض مشاعر .
قصة قصيرة ...فيض مشاعر .

 

الكاتبة - سميرة عبدالهادي


 

 

تلك الليلة أثقلت قلبها الهموم وتصارعت أفكارها بداخلها وتزاحمت فخرجت لتستنشق بعضا من الهواء النقي لعلها تهدأ من تسارع ضربات قلبها وتصاعد أنفاسها ، فقادتها قدماها لإحدى المنتزهات فارتمت بكامل جسدها على ذلك المقعد لربما تزيح قليلا من ذلك الثقل الذي أرهق عاتقها وأثقل قدميها، كانت النسمات الباردة تغزو المكان ولكنها لا تطفىء لهيب قلبها و عندما نظرت للسماء شعرت وكأن الليل يعانق القمر والنجوم تتراقص من حولهم فتبسم ثغرها وهمست لنفسها هل أصابني ضرب من الجنون ، فما كان منها إلا أن مسحت بيديها على عينيها لتجيد الرؤية ، ولكن عندما أمنعت النظر جيدا ، إذا بها تبصر رجلا يجلس على المقعد الذي أمامها ، فأسرعت بتعديل جلستها وترتيب خصلات شعرها التي بعثرتها تلك النسمات ، كان رجلا في منتصف الثلاثينيات، أنيق الثياب تبدو عليه علامات الثبات والهدوء من طريقة جلسته كان بيده كتابا يتصفحه بكل سكينة وكأنه يسكن العالم بمفرده ، فأخذت تختلس النظر إليه بين حين وآخر ، همست لنفسها ليتني أستطيع أن أستعير ذلك الهدوء والسكينة التي أراها عليه وأهبه بعثرتي ليعيد ترتبها لي، ليته يداوي تلك الندوب التي علقت بذاكرتي ويزيح ذلك الهم الذي أثقلني وسرق الفرح من قلبي فإذا به يقول : قليل من الحكمة تكفيك والبعض من التجاهل يغنيك ، بدت عليها علامات التعجب وقالت : هل تلك الكلمات موجهة لي ؟ همس وهل يجلس أحد غيرك أمامي ويريد أن يأخذ ما أملكه ، فبادرته ولكني لم أتفوه بكلمة واحدة ، فما كان منه إلا أن أزاح تلك النظارت من على عينه وطوى كتابه وقال بكل هدوء : أنا أتميز بحاسة سمع عالية التركيز ، وعاد يكمل تصفح كتابه مرة أخرى شعرت حينها بالخجل ، علمت أن تلك الكلمات صُبت بداخل أذنيه دون أن تشعر ، ثم رسمت إبتسامة على شفتيها وبدأت عليها علامات الإرتباك الشديدة وأخذت تهز قدميها وتلتفت يمنة ويسرة بنظراتها ، وما هي إلا دقائق وأعاد النظر إليها وسألها : ما اسمك ؟ أجابته : ضوء ، فهمس لها إسمك ضوء أنتِ تنيري الظلام .

 فلِما سكن ذلك الظلام بداخلك ؟ فاسترسلت بكلامها وأنت ما اسمك إنحنى قليلا للأمام وشبك بأصابعه وهو يردد أدعى ب( سمو ) فتبسم وابتسمت بدورها ، ثم أكمل كلامه وماالذي أثقل كاهلك وجعلك تذرفين الدموع يا ضوء المكان ، فما كان منها إلا أن تنهدت وقالت : الظلم القهر الإستبداد الغدر من أناس تقاسمنا معهم الأيام بحلوها ومرها ، أثار فضوله تلك الكلمات التي خرجت منها على هيئة غصة علقت بين الفؤاد والحنجرة لا تقوى على ابتلاعها أو لفظها فنثرت دموعها بين سطورها ونقشت حزنها على زهورها ، علم حينها أن بداخلها يسكن حزن عميق تتجرع مرارته بين حين وآخر ، سلب دفىء فؤادها وسرق سعادتها من مهدها ، خيم الصمت فكسره بقول : هل لي أن أسمع ما يدور بداخلك من وجع ، فاضت ضوء بما سكن قلبها وأدماه ، أصبح الحديث سجال بينهما تغلبه تارةويغلبها تارة أخرى ، نهاها عن جلد ذاتها وأن تتحرر من قيود الماضي ، أن تتعلم فن إنتزاع الأشواك دون ترك أثر تحمله معها وأن الماضي لا نستطيع تغييره ولكن لا نقتل المستقبل بكثرة التفكير به ، وأن السير على جمر المنغصات يحتاج القليل من التوزان بين العقل والحكمة والتصرف لتتمكن من السير بكل سلاسة ، كانت تلك الكلمات مثل الترياق الذي يطبطب على جراح ضوء ويجعلها تتخطى خيبات الأمل ويعطيها الضوء الأخضر لتمضي قدما دون التأثر بأدق الكلمات وأصغر التفاصيل في المواقف التي يصعب نسيانها ، ومع الشعور بنفحة نسمات الفجر إنتهى الحوار وعاد كلً منهما إلى عالمه ولكن ظل اللقاء ينبض بداخلها لتعيد رسمه بفرشاتها السحرية بعد مرور كل عاصفة تمر عليها لتحيا من جديد ،

دمت بخير يامن تقرأ لي .

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر

محرر المحتوى

ابراهيم الحكمي
مدير الدعم الفني

شارك وارسل تعليق