الاربعاء, 09 أكتوبر 2024 10:23 صباحًا 0 101 0
بخاري يكتب : بر الوالدين عبادة تتجاوز الأجيال وسلوك ينعكس على الحياة
بخاري يكتب : بر الوالدين عبادة تتجاوز الأجيال وسلوك ينعكس على الحياة

بقلم الإعلامي / عبدالله بخاري

في مداخلتي يوم 7 ربيع الآخر 1446هـ الموافق 9 أكتوبر 2024 ضمن برنامج “أنفاس الصباح” على إذاعة نداء الإسلام، كانت المداخلة موجزة وقصيرة، ولكنها دارت حول معاني عظيمة تتعلق بموضوع بر الوالدين. تناولت فيها كيف يمكن للوالدين أن يكونا عونًا لأبنائهم في برهم، وكيف يجب أن يستحضر الأبناء نصوص القرآن الكريم التي تحث على البر، ويضعوا أمام أعينهم مقدار الجهد والتضحية اللذين قدمهما الوالدان. كما أشرت إلى مبدأ “كما تدين تدان”، وهو أن البر الذي يقدمه الأبناء اليوم لآبائهم سيعود عليهم في المستقبل. والآن، سأطيل في شرح تلك الأفكار بمزيد من التفصيل.

 

بر الوالدين في ضوء النصوص القرآنية

 

الله سبحانه وتعالى لم يجعل بر الوالدين خيارًا، بل جعله واجبًا دينيًا يقترن بأعظم التكاليف، وهي عبادة الله وحده. فقد جاء في سورة الإسراء قوله تعالى: “وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا” (الإسراء: 23). هذه الآية تحمل دلالة قوية على أن البر بالوالدين هو جزء من التزامنا الديني نحو الله. إذ أن الإحسان إليهما ليس مجرد شعور بالعرفان، بل هو امتثال لأمر الله وسنة نبيه.

 

في بر الوالدين تكمن معاني الطاعة، والاحترام، والتقدير العميق. بر الوالدين يعني أن تتجاوز مجرد تقديم الرعاية الجسدية إلى رعاية قلوبهم وعواطفهم، وأن تُظهر الحب والامتنان بكل قول وفعل. هذه العلاقة ليست مبنية على العطاء المادي فقط، بل على صلة عاطفية وروحية تتجدد عبر الأيام.

 

الوالدان كداعم أساسي للأبناء في البر

 

من المهم أن ندرك أن البر بالوالدين ليس مسؤولية الأبناء فقط، بل هو علاقة متبادلة تتطلب جهدًا من الطرفين. في مداخلتي، شددت على أن الوالدين يلعبان دورًا كبيرًا في تمكين أبنائهم من برهم. حين يُظهر الوالدان لأبنائهما المحبة، والاحترام، والتفهم، فإن ذلك يُكوِّن في نفوس الأبناء مشاعر العرفان، مما يجعل البر يأتي من منطلق التقدير لا الإجبار.

 

تربية الأبناء على حب البر تبدأ من الطفولة، حين يغرس الآباء في نفوس أبنائهم قيم العطاء والاحترام المتبادل. الوالدان اللذان يُظهران التفهم لأبنائهم، يفتحان لهم أبواب البر، ويمنحونهم القدرة على التعبير عن امتنانهم بطرق ملؤها الحب والرعاية.

 

استحضار الجهد والتضحية: مفتاح البر

 

واحدة من الأفكار التي طرحتها في مداخلتي هي أن الأبناء ينبغي أن يضعوا دائمًا أمام أعينهم حجم الجهد والتضحية اللذين قدمهما الوالدان. في مراحل الطفولة والشباب، قد لا يدرك الإنسان مدى المعاناة والصبر الذي تحمّله والداه لتربيته. ولكن كلما نضج الابن، كلما بات قادرًا على فهم عمق تلك التضحيات. بر الوالدين لا ينبع فقط من الشعور بالواجب، بل من فهم عميق لهذا العطاء غير المشروط الذي قدمه الوالدان طوال سنوات.

 

“كما تدين تدان”: دورة الحياة والبر

 

في مداخلتي، تطرقت إلى مفهوم “كما تدين تدان”، وهي عبارة تحمل في طياتها حكمة عظيمة تتعلق بدورة الحياة. الابن الذي يبر والديه اليوم، سيجد من يبره في الغد عندما يصبح هو أيضًا أبًا أو أمًا. الحياة قائمة على التبادل، وما نقدمه لوالدينا سيعود إلينا في صور مختلفة. هذه الفكرة ليست مجرد قاعدة اجتماعية، بل هي سنة كونية ترتبط بالتوازن الطبيعي في العلاقات الإنسانية.

 

خاتمة: بر الوالدين طريق إلى الجنة

 

إن بر الوالدين هو من أعظم وسائل القرب من الله. في كل فعل بر نقدمه لوالدينا، نقترب خطوة من الجنة. فالوالدان هما سبب وجودنا في هذه الحياة، وبرهما هو تقدير لهذه النعمة العظيمة. لكن البر لا يجب أن يكون مجرد التزام ديني أو واجب اجتماعي، بل هو سلوك حياتي ينبع من القلب ويتجلى في كل تفاصيل حياتنا اليومية.

 

على الأبناء أن يدركوا أن بر الوالدين ليس طريقًا ذا اتجاه واحد، بل هو علاقة مبنية على الحب، التقدير، والتضحية. فما نقدمه اليوم سيعود إلينا غدًا، وما نزرعه من بر سيثمر في حياتنا وفي حياة من نحب.

 

 

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر

محرر المحتوى

جمعه الخياط
المدير العام
مدير الدعم الفني

شارك وارسل تعليق

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من إرسال تعليقك