عبثيات المادة والشهرة المزيفة!

سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر

عبثيات المادة والشهرة المزيفة!
الكاتب / طارق محمود نواب

اعلامي بشبكة نادي الصحافة

مما لا شك فيه أن واقعنا ما هو إلا خلاصة تجاربنا وتفاعلاتنا مع ماضينا . فكل ما يحدث أو ما يدور حولنا في الوقت الحاضر يستند بالضرورة إلى أفكار أو أحداث أو تجارب ماضية مرت بنا وتركت أثرها على شخصيتنا وتصرفاتنا في الحاضر. فتاريخنا وماضينا يشكلان الأساس لواقعنا لمن نحن عليه ولماذا نفعل ما نفعله. ولذلك، يمكننا وصف الإنسان بأنه عبارة عن آلة تنتج أشياء جديدة مبنية على معارفه القديمة، بالإضافة إلى أن قيمة الإنسان يتم تحديدها بناءً على قدرته على الإنتاج، كما أن المعيار الذي تُقيَّم به قيمتك هو الأفكار السائدة في مجتمعك، أو ما يُعرف بالوعي الجمعي المسؤول عن سلوك الأفراد.
لكن في ظل المادية التي نعيشها حالياً والتي تسيطر بشكل كبير على حياتنا جميعاً وجعلت القلق يسود على كل تصرفاتنا وقرارتنا، أصبح الكثير الآن يعتقد بأنه إذا زاد إنتاج شخص من المال وازدادت شهرته في عالم وسائل التواصل الإجتماعي، زادت قيمته وانتشرت منتجاته والتي غالباً تكون بلا فائدة . وعلى الرغم من أنهم يُعرضون تلك المنتجات المزيفة، إلا أن الملايين والملايين يتابعون حركاتهم ويتمتعون بمحادثاتهم الفارغة ويخطفون الأضواء ويسلط عليهم الضوء دون أي وجه حق . ففي عالم اليوم لم نعد سوى كائنات مشدودة إلى لعبة تتخطانا على جميع المستويات، ويصبح الإنسان ليس مُدركا بما يكفي ليحدد مصيره، أو ليتجاوز الحدود المرسومة إليه سلفا من خلال الخطط والإستراتيجيات التي يساق إليها رغماً وكرهاً. ولعل أهم شيء يحدد مصيرنا اليوم هو هذه التفاهة المحيطة بنا من كل جانب. فنحن محاطون بقدر كبير من العبثية واللامبالاة التي تعني أن البشرية في طريقها إلى حائط مسدود، بعد أن سيطر هؤلاء على مفاصل كل شيء في العالم بدءاً من الخريطة الإجتماعية، انتهاء إلى عوالم الثقافة والفن والرياضة وعقول كثير ممن حولهم أيضاً. وهذا هو النظام الذي يساق له الناس ويرعوه عن قصد أو دونه، فيجب التحذير منه، والتعرف على طبيعته وهويته.
كما أن شهرتهم هذه ما هي إلا تزوير للوعي وآفة حقيقية تؤدي إلى توليد سلوك غير صحي للأفراد، وبالتالي تشكيل مجتمع يساهم في تعزيز واقع غير صحي. فما كان الفرد يفتخر به في الماضي يختفي اليوم، ويصبح أصحاب الفكر والشعر وكتابة الآراء وتوضيح الأفكار جميعاً متلاشون اليوم أمام متابعة نقاط الإنطلاق ضئيلة المحتوى التي تحكي عن روتينهم اليومي المضبوط والمرتب مسبقاً ! وهؤلاء الاشخاص الذين يخطفون الشاشة وينالون الشهرة والتقدير غير المسبق دون تقديم أي فائدة لمن حولهم وهذا ما يجعل العديد منا يشعر بالتذمر من هذا المشهد ويعتبر نفسه بريء منه ، ولكن في نفس الوقت نقضي ساعات طويلة يومياً في متابعتهم، إما لتلبية متعتنا أو للهروب من الواقع، أو الفضول أحياناً.
وللأسف الشديد يبدو أننا بهذه الطريقة نساهم بشكل أو بآخر في ترسيخ مفهومهم وترسيخ رؤيتهم، حيث نروج أفكارهم بشكل مجاني دون أن ندرك ذلك ! وفي النهاية نجد أن هؤلاء الأشخاص يستغلونا بلا توقف ، فما هم إلا مُلّاك المصانع الذين يزداد ثراؤهم وفرصهم ومميزاتهم باستمرار بينما نحن نشبه الآلات في تلك المصانع التي تُنتج وتُستهلك وتصدأ حتى تتلاشى ويأتي غيرها من الآلات الحديدة لإنتاج أجدد وأكبر. وأخيراً ، من أخطر المعضلات في هذا العالم هو تسرب هؤلاء الاشخاص أو "تجار المشاهد" إلى عالم المعرفة والخبرة والتي يفترض أن تكون في منآي عن هذا الفيروس القاتل. وعلينا أن نجد الطريقة المناسبة لمواجهتهم عقليًا من أجل الوصول إلى معايير حقيقية تصنع المجتمع المأمول لنا.

 

 


غاليه الحربي غاليه الحربي
المدير العام

المالكة ومدير عام ورئيس تحرير صحيفة شبكة الصحافة للنشر الالكتروني - مدير عام المنابر التعليمية والتربوية بالشبكة

0  329 0

آخر المعجبين بالخبر

التعليقات


اكتب تعليقك هنا

اخبار مشابهة

اخبار مقترحة