تناقضات وتقلبات
قال تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم: 27].
الكون من طبعه التغير و أحواله مع نظامه الثابت إلا أنها في تقلب مستمر وفق النظام الذي خلقه الله في سر من أسراره المعجزة ؛ والكواكب من طبعها الدوران حول محورها ؛ و التحول و التغير سنة الحياة، كما تتنوع النسائم بين ليل ونهار و بين بر و بحر ؛ ففصول المناخ ترتبط بها عمليات البذار والحصاد بعد نضج ؛ كما مواسم هجرة الكائنات مرتبطة بتغير الفصول بحثا عن الأمان والكلأ والماء والدفء؛ ولا شيء ثابت في هذه الحياة وبقاء الحال من المحال. والصراع مستمر شد وجذب ودفع للحفاظ على الاستمرارية و الاستقامة .
و كلنا نواجه في يومياتنا مجموعة من المتناقضات في اليوم الواحد بل وفي مجمل حياتنا ، سواء الصادرة من الآخرين أو النابعة من دواخلنا ، ونعيش صراعا مع قيمنا ومعتقداتنا فيما نحب ونرغب، و فيما تأمرنا به النفس الأمارة و تنهى عنه النفس اللوامة .
ونظل نحن عرضة لتقلبات الأحوال والأمزجة متقلبين
في حركة لولبية صعودا و هبوطا ، أو يمنة ويسرة كبندول ساعة مقيدة جيئة و رواحا . وقد نعيش كل المواسم والفصول في يوم واحد ، وقد نحسب أن حزننا لن يزول وأن فرحنا سيدوم .
لذا كان من المحال الحكم على صلاح الصالحين او فساد الفاسدين نتيجة حتمية
قد يرجع المذنب عن ذنبه في آخر لحظات حياته فيستغفر ويُكَفِّر عن ما مضى من ذنوبه ويدخل الجنة؛
وقد ينجرف الصالح عن الصراط المستقيم وينحرف عن سواء السبيل في آخر عمره فيدخل قلبه او عمله ما يفسد كل عمله الصالح ويدخل النار .
ويظل الإنسان متقلبا ما بين خير وشر ؛ و ما بين فرح وحزن ؛ و ما بين هوى النفس وتزكيتها ؛ و بين حق وباطل إلا من رحم الله ورزقه البصر و البصيرة .
لذا كان من المهم جدا تربية النشء على ثوابت وقيم تساعده على تخطي تقلبات الحياة وظروفها وصروفها وتقلب الأفئدة، فقلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن، يقلبُها كيف يشاء و من الدعاء المأثور :
"اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك"
"اللهم يا مقلب القلوب والأبصار ثبت أفئدتنا على دينك"
جمال بنت عبد الله السعدي
المدينة المنورة
.jpg)
.jpg)
.jpg)
.jpg)
