شبكة نادي الصحافة السعودي - لبنان - رضوان عبد الله
==================================
إعداد: د. رمزي عوض (رئيس مجلس ادارة جمعية راصد لحقوق الإنسان)
http://www.pal-monitor.org/ar/news.php?extend.670.31
مقدمة:
لبنان رغم مساحته الصغيرة، فإن حضوره كبير على الساحة الدولية بسبب تنوعه الثقافي، والفكري، والايدلوجي، والطائفي، وكذلك بسبب موقعه الجغرافي المميز المتوسط للعالم القديم.
مر لبنان بتاريخ عريق حتى قبل اعلان الاستقلال، وبعده ايضا، وعانى من حروب متعددة اتفق لبنانيا على تاريخها حتى الاستقلال، ولم يتفق على ما بعده، بسبب التنوع الفكري والطائفي والثقافي.
وهنا نحاول تقديم لمحة مقارنة تاريخية انسانية عن اللجوء الأرمني والفلسطيني إلى لبنان.
الباب الاول:
لمحة عن تاريخ لبنان:
يعود ذكر تاريخ لبنان المدون إلى 5000 سنة ماضية، وكان سكان هذا الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط من الكنعانيين الساميين، دعاهم الإغريق بالفوينيكوس (phoinikies) والتي تعني البنفسجيين وذلك نسبة للون البنفسجي الذي طغى على ألبستهم وللصباغ الأرجواني الذي اشتهروا به، وهكذا عرفوا بـ الفينيقيون في الآثار القديمة.
توالت الشعوب الى لبنان من الفينيقيين، الى حكم الاغريق بقيادة الاسكندر الاكبر المقدوني، الى البيزنطيين، ثم الفتح الاسلامي وماتلاه من حكم الدولة العثمانية التي انتهت بانتهاء الحرب العالمية الاولى.
وبعد ذلك جاء الحكم العربي بقيادة فيصل الحسيني التي ضمت اجزاء من بلاد الشام ومنها (لبنان الكبير) تحت اسم (المملكة السورية العربية) عام 1918 الذي دام فعلياً ثلاثة أيام فقط، فسرعان ما دخلت القوات البريطانية بيروت واعترضت على رفع العلم العربي، وبعد أن قام الفرنسيون بإنزال بحري في المدينة، أزالوا العلم العربي، ورفعوا العلم الفرنسي بدلًا عنه، معلنين أن هذه البلاد تعتبر من أراضي العدو المحتلة، وفي 1 سبتمبر/أيلول 1920 أعلن الجنرال هنري غورو تقسيم (المملكة العربية السورية) إلى عدة دول، وفق ما جاء في اتفاقية سايكس بيكو، ومنها دولة لبنان الكبير معلناً بيروت عاصمة لها، وابتدأ عهد الانتداب الفرنسي.
ووصفت الدولة الجديدة باسم لبنان الكبير على أساس إضافة البقاع وبعض القرى في عكار إلى المنطقة التي عرفت تاريخيا بمتصرفية جبل لبنان، التي كانت ذاتية الحكم وتابعة للإمبراطورية العثمانية قبل ذلك، وبناء عليه أقر مجلس الممثلين، الدستور، في 23 مايو 1926 وبذلك أعلن قيام الجمهورية اللبنانية، فكانت لبنان أول جمهورية يتم اعلانها في الوطن العربي.
ثم خضع لبنان لفترة وجيزة أثناء الحرب العالمية الثانية للحكومة الفرنسية الفاشية التي أعلنت ولاءها لألمانيا النازية، قبل أن يسترجعه الحلفاء في شهر تموز/يوليو من عام 1941 في حملة عسكرية كبيرة، وفي عام 1943 انتزع اللبنانيون حقهم بالاستقلال من فرنسا بدعم من حكومة تشرتشل البريطانية، وتم جلاء كل الجيوش الأجنبية في عام 1946.
أخذت الحكومة اللبنانية بعد الاستقلال تدعم وجودها كدولة في داخل البلاد، وخارجها، فقد شارك لبنان في المشاورات العربية التي تمخض عنها إنشاء جامعة الدول العربية عام 1945، وانضم إلى عضويتها وإلى عضوية هيئة الأمم المتحدة في نفس السنة.
الباب الثاني:
اللجوء الارمني إلى لبنان:
يعود الوجود الأرمني في لبنان إلى فترة الحرب العالمية الأولى (ما بين 1915 و1916) التي وصل فيها قرابة أربعين ألف أرمني إلى البلد، بينما وصل نحو عشرين ألفا عام 1939 من (لواء إسكندرون) وهي منطقة بأقصى شمال غرب سوريا تابعة لتركيا منذ 1939.
ورغم غياب إحصائيات رسمية لأعدادهم داخل لبنان، فإن بعض الجهات الأرمنية تؤكد بأن أعدادهم تقدر بنحو 70 إلى 160 ألف أرمني كحد أقصى، ينقسمون إلى الأرمن الأرثوذكس الذين يشكلون الأغلبية، ثم الأرمن الكاثوليك فالإنجيليون، ويتمركزون أساسا في منطقة جبل لبنان وتحديدا بيروت، وفي البقاع (بلدة عنجر) ومدينة طرابلس.
وبما أن لجوء الأرمن الى لبنان كان قبل اعلان استقلال لبنان، فكان من الطبيعي حصولهم على الجنسية اللبنانية.
وسياسيا يحظى أرمن لبنان بموقع في المشهد السياسي اللبناني من خلال احزاب (الطاشناق) و(الهانشاك) و(الرمغفار)، وهي الأعمدة الأساسية التي يعتمد عليها الأرمن في حياتهم السياسية والاجتماعية في لبنان، إلا أن (الطاشناق) وبعراقته بات مؤسسة بحد ذاتها، تخرّج فيها العديد من الساسة الكبار الذين ساعدوا الأرمن في نهضتهم ووحدتهم، وحفاظهم على شخصيتهم الارمنية، وكلمة (طاشناق) تعني بالعربية (التحالف)، حيث يستند هذا الحزب إلى الفكر الاشتراكي في توجهاته السياسية، وهو عضو مراقب في الاشتراكية الدولية، أما دخوله إلى لبنان فكان في العام 1904 بواسطة أحد مؤسسيه سيمون زفاريان الذي أسس مصلحة طلاب الحزب من الطلاب الأرمن في الجامعتين الأميركية واليسوعية.
وتؤكد المديرة التنفيذية للهيئة الوطنية الأرمنية في الشرق الأوسط فيرا يعقوبيان في حديث لقناة الجزيرة بتاريخ 29/6/2013 أن أرمن لبنان استطاعوا الحفاظ على هويتهم ولغتهم عبر العقود بالنظر إلى طبيعة الدستور والنظام الطائفي في لبنان الذي يحفظ لكل طائفة بخصوصياتها.
واضافت (لم يكن لدينا مشكل لا مع المسلمين ولا مع غيرهم، فنحن اندمجنا مع الجميع وكان هدفنا أن تكون لدينا علاقة جيدة مع الجميع، لأننا أصلا كنا غرباء ووافدين جددا على البلد).
وترى يعقوبيان أن القومية بالنسبة للأرمن تأتي قبل الدين، حيث قالت (نحن أرمن قبل أن نكون مسيحيين، لذلك يرانا البعض كأننا نعيش في غيتو منعزلين، وفي الحقيقة هو غيتو ثقافي لأننا نسعى للحفاظ جاهدين على لغتنا وهويتنا القومية، ولو لم نتبن هذا النهج ما كنا لنحافظ على وجودنا كأرمن في الشتات).
الفلسطينيون الارمن:
قال مدير عام (مركز دراسات الشتات الأرميني) في جامعة هايغزيان، الدكتور أنترانيغ دركسيان للعربي الجديد بتاريخ 26/9/2014 (بعد مجازر عام 1915، قصد قسم من الأرمن المهجّرين فلسطين، ليصبح عددهم الإجمالي عام 1920، نحو عشرين ألف نسمة، وفي أثناء النكبة الفلسطينيّة عام 1948 هُجّر عدد من الفلسطينيين الأرمن من حيفا ويافا، وانتقلوا إلى الضفّة الغربيّة ومنها إلى الأردن ولبنان حيث توزّعوا على مناطق اللبنانيين الأرمن، مثل مار مخايل، انطلياس، برج حمود، الكرنتينا و زحلة، ومنهم من عاد وهاجر الى الولايات المتحدة الامريكية وأوروبا، فيما اندمج البقية مع الأرمن اللبنانيين وانضموا الى أحزابهم ومنظماتهم وجمعياتهم، وتعلّموا في مدارسها، وهم يقدرون بنحو 1500 شخص)، لكن المتحدثة باسم الأونروا في لبنان، زيزات داركزلّي في حديثها ايضا للعربي الجديد بنفس التاريخ، استغربت وجود فلسطينيين أرمن في لبنان، وأوضحت أن المنظّمة تسجّل اللاجئين لديها بحسب هويتهم، وليس وفق طائفتهم، مؤكّدة أنّها لا تعرف حتى أماكن تواجدهم، معتبرة أنّ كل الفلسطينيين يسكنون في المخيّمات.
وكما باقي الفلسطينيين في لبنان، لم يستطع الارمن منهم الحصول على جنسية لبنانية كباقي الارمن في لبنان، ويعانون من فقدان الحقوق الانسانية واعباء اللجوء كباقي الفلسطينيين، فلم تنفعهم اصولهم الارمنية ولا ديانتهم المسيحية، الا في حالات ضيقة مما حصلوا على جنسيات بعد اثبات نسبهم الى عائلات لبنانية قبل الحرب الاهلية.
الباب الثالث:
اللجوء الفلسطيني الى لبنان:
في عام 2016، أصدرت (لجنة الحوار اللبناني-الفلسطيني) كتابها بعنوان (لجوء الفلسطيني في لبنان: كلفة الأخوة في زمن الصراعات)، استكملت اللجنة هذا العام إصدار الجزء الثاني بعنوان: (اللجوء الفلسطيني في لبنان: واقع العيش وإرادة التقدم)، وقد سعت في الجزئيين إلى اعتماد المعلومات والمعطيات الدقيقة حول واقع اللجوء الفلسطيني بديلا من اللغة الأيديولوجية التي سادت طويلا من مختلف الضفاف في التعاطي مع هذا الواقع، ويتركز الجزء الثاني على العناوين الحيوية في قضايا ومشاكل عيش اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.
ومؤخرا، اقامت لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني، احصاء لعدد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، اختلفت مع احصاءات الاونروا، واتهم العديد من الكتاب والمثقفون الفلسطينيون بأن هذه الاحصائية لا تعبر عن العدد الحقيقي لفلسطينيي لبنان.
تعريف اللاجئين الفلسطينيون:
اللاجئون الفلسطينيون هم الفلسطينيون الذين هُجِّروا من فلسطين بفعل العمليات الإرهابية لميليشيات صهيونية الى عام 1948، ونسلهم، ويتواجد معظمهم في المناطق والدول التالية: فلسطين المحتلة، الأردن، سوريا، مصر، العراق، ولبنان، وبعض الدول الاخرى.
أنشئت الأمم المتحدة وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) لغوث لاجئي نكبة 1948، وتعرّف الأونروا اللاجئين الفلسطينيين: (هم أولئك الأشخاص الذين كانوا يقيمون في فلسطين خلال الفترة ما بين حزيران 1946 وحتى أيار 1948، والذين فقدوا بيوتهم ومورد رزقهم نتيجة حرب 1948)، ويشتمل تعريف الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين نسل أولئك الذي يشملهم التعريف بغض النظر عن مكان سكنهم، وبحسب احصاءات الأونروا، فإن عدد اللاجئين الفلسطينيين ازداد من 711،000 عام 1950 ليصل إلى ما يناهز 5 مليون لاجئ مسجل لدى الأونروا في الوقت الحالي.
دخول الثورة الفلسطينية إلى لبنان:
لا توجد رواية متفق عليها بعد في تاريخ دور المقاومة الفلسطينيّة في الحرب الأهليّة اللبنانيّة، على العكس، لم يُكتب إلا تاريخ دعائي مُزوّر ظلمَ المقاومة الفلسطينيّة وظلم الشعب الفلسطيني في لبنان برمّته، وكانت دائما الكتابات تلعب على شيطنة دور المقاومة الفلسطينيّة في لبنان، كما هو حال شيطنة كل مقاومات الإحتلال الإسرائيلي عبر العقود، ولإسباغ صفة الحمل الوديع على كثيرين مما وقعوا اتفاقات مع الاحتلال الاسرائيلي، وبان لبنان لم يدخل حروبه الأهليّة تلقائياً أبداً، وإنما يدفعه نحوها الغريب، حتى برزت في العلن مقولة (حروب الاخرين على أرض لبنان)، ولم تحسن المقاومة الفلسطينيّة الدفاع عن نفسها ــ أو لم تحاول ــ ضد أقسى الحملات الجائرة التي ظلمت قضيّة الشعب الفلسطيني، كما طمست الخلافات بين قادة فصائل المقاومة حول مسألة الانخراط أو مدى المشاركة الفعليّة في الحرب الأهليّة.
علما ان دخول المقاومة الفلسطينية إلى لبنان، اخذ صورة قانونية من اتفاقات جامعة الدول العربية، ومن اتفاق القاهرة الذي تم إلغاءه فيما بعد من قبل الدولة اللبنانية من طرف واحد.
اتفاق القاهرة:
هذا الاتفاق دائما ما يتم ابعاده من الحوار اللبناني الفلسطيني، وحتى من النقاشات والمداولات في حلقات النقاش الداخلية وحتى الاعلامية، لأسباب سياسية بحتة.
فقد كان لبنان سابقا ألغى اتفاق القاهرة من طرف واحد الذي كان في 3/11/1969 حيث تم توقيعه بين منظمة التحرير الفلسطينية بمثلها رئيس المنظمة الراحل ياسر عرفات والدولة اللبنانية يمثلها قائد الجيش اللبناني العماد اميل بستاني بوساطة من الحكومة المصرية، بهدف تنظيم الوجود الفلسطيني المسلح والمدني في لبنان.
وبتاريخ 21/5/1987 وافق البرلمان اللبناني بالأغلبية على قانون لإلغاء الاتفاق، وفى يونيو 1987، أصدر الرئيس اللبناني امين الجميل القانون رسمياً، فأصبح لبنان غير ملزما بالاتفاقية وفق القانون اللبناني.
ونتج عن ذلك عدد من المشاكل الانسانية التي لم تعالجها الحكومات اللبنانية المتعاقبة، ومنها حق العمل، وايجاد فئة من الفلسطينيين تسمى (فاقدي الاوراق الثبوتية).
فعندما ألغى لبنان اتفاق القاهرة من طرف واحد، عالج فقط الوجود الفلسطيني المسلح في لبنان من وجهة النظر اللبنانية، ولم يعالج الوجود الفلسطيني المدني الذي كان بحاجة لقوانين أخرى من الحكومة اللبنانية، تثبت الحقوق الانسانية للاحين الفلسطينيين في لبنان.
وطبعا لم تحاول القيادة السياسية الفلسطينية منذ عام 1987 الى الآن ان تعالج هذه المسألة مع الحكومات اللبنانية المتعاقبة، وبقي اللاجئ الفلسطيني في لبنان يعاني عدة قضايا انسانية لم يتم ايجاد حل فعلي لها.
وتولدت عن ذلك عناوين رسمت صورة نمطية للفلسطيني في لبنان واهمها (لا للتوطين) و (حق العودة)، تحمل في ظاهرها عناوين وطنية وفي باطنها إلغاء الحقوق الانسانية والسياسية للاجئين الفلسطينيين في لبنان.
فالفلسطيني اساسا لا يسعى للتوطين في لبنان وكذلك يطالب بحق العودة، ولكن هذه العناوين اعطت اسبابا لمسؤولين لبنانيين للانقضاض على الحقوق الانسانية للفلسطيني بين الحين والأخر، وكأنهم مرض سرطاني في لبنان يجب استئصاله خوفا على الشكل الطائفي والديموغرافي والسياسي للجمهورية اللبنانية.
ودائما التصريحات للمسؤولين اللبنانيين لم تلقى جواب رسمي من القيادة السياسية الفلسطينية، مما شكل حالة ضغط على الشباب الفلسطيني في لبنان، الذي يعاني اساسا من ضائقة اقتصادية، وجعله يتحرك باتجاهات لربما تستخدم لضرب القضية الفلسطينية وحقوق اللاجئين، ومنها الهجرة والتطرف واللامبالاة.
فقد تم إدراج رفض التوطين في اتفاق الطائف، الذي يعد دستورا للجمهورية اللبنانية بعد الحرب الاهلية، الموقع في 1989، حيث أدخل في مقدمة الدستور اللبناني، التي تضمنت نصا يقول بأن (لا تجزئة ولا تقسيم ولا توطين).
غير أن السلطات اللبنانية تقوم تحت غطاء الخوف من التوطين بممارسة سياسات تهدف إلى وضع الفلسطينيين في أوضاع معيشية صعبة، تكون نتيجتها اضطرار أعداد كبيرة منهم للهجرة من لبنان.
وهذه السياسات تخالف في عدد منها مبادئ حقوق الإنسان وقواعد القانون الدولي، فضلا عن مخالفتها لالتزامات لبنان الوطنية والقومية والعربية.
وتعاملت الدولة اللبنانية مع الملف الفلسطيني لفترات طويلة باعتباره ملفا أمنيا، وتجاهلت جوانبه الإنسانية، ولم تصدر القرارات والتشريعات المنظمة لهذا الوجود وفق قواعد القانون الدولي، وتركت الخيار لبعض الوزراء والمديرين العامين ليضعوا قرارات تتعاطى بشكل جزئي مع اللاجئين.
اتفاقية الدار البيضاء 1965:
تجاهل لبنان قرارات القمم العربية وجامعة الدول العربية، المتعلقة بمعاملة اللاجئين الفلسطينيين، وخصوصا اتفاقية الدار البيضاء لسنة 1965، التي أكدت على إقرار الخطة العربية الموحدة للدفاع عن قضية فلسطين في الأمم المتحدة والمحافل الدولية، ومقاومة كل المحاولات الرامية إلى تصفية قضية اللاجئين.
فقد وافق مجلس وزراء خارجية الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية، في اجتماعه بالدار البيضاء يوم 10 سبتمبر (أيلول) لعام 1965 على مجموعة من الاحكام بشأن الوجود الفلسطيني فيها، فقد دعا الدول الأعضاء إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة لوضعها موضع التنفيذ، ومنها النص التالي (مع الاحتفاظ بجنسيتهم الفلسطينية يكون للفلسطينيين المقيمين حالياً في الدول العربية الحق في العمل والاستخدام أسوة بالمواطنين)، كما لحظ حرية السفر والتحرك في الوطن العربي دون فيزا.
ولكن بقي في لبنان تضييق شديد على التملك وعلى الفلسطينيين من فئة فاقدي الاوراق الثبوتية، وكذلك هناك نضيق على ممارسة العمل، حيث مازال الفلسطينيون ممنوعون من ممارسة معظم أنواع الوظائف والمهن حتى وصلت لائحة الممنوعات إلى 73 وظيفة، وكلها بسبب عدم لحظ حل الشق الانساني في اتفاق القاهرة، وعدم الالتزام بمقررات الجامعة العربية التي تدعوا دائما لدعم القضية الفلسطينية.
الباب الرابع:
اسباب الفرق في التعامل بين اللاجئين الأرمن والفلسطينيين في لبنان:
رغم ان اول لجوء للأرمن الى لبنان مرّ عليه 102عام، واللجوء الفلسطيني مرّ عليه 69 عام، أي أن الزمن الفاصل بينهما هو 33 عاماً، ورغم أن الطرفين الأرمني والفلسطيني، يتمسكان إلى الان بأصولهم، وبلادهم، ويجاهرون بانتمائهم لها، إلا ان الأرمن حصلوا على حقوقهم الانسانية كاملة وصلت الى حقهم في الجنسية اللبنانية وممارسة حياتهم الانسانية والسياسية بحرية مطلقة، على عكس الفلسطينيين، الذين مازالوا يعانون مرارة اللجوء الى الآن، وذلك لأسباب عدة وهي:
1- لجوء الأرمن إلى لبنان كان قبل اعلان استقلال لبنان عام 1943 بحوالي 28-عام، على عكس الفلسطينيين الذين لجؤا الى لبنان بعد 5-أعوام من اعلان الاستقلال.
2- عدو الارمن كان الدولة العثمانية التي خسرت الحرب، حيث كان العالم كله بما فيه العرب ينظرون للدولة العثمانية من الناحية السياسية والانسانية، كغازي ومحتل وظالم، فكان واجبا مساعدة الارمن واحتضانهم، على عكس الفلسطينيين الذين كان عدوهم كيان الإحتلال الإسرائيلي، الذي يدعمه المنتصرون في الحرب العالمية الثانية.
3- الارمن لم يكونوا في لبنان بحاجة لمحاربة عدوهم العثماني عسكريا انطلاقا من لبنان، لسببين اساسيين وهما: اولا ان عدوهم خاسر في الحرب، وثانيا كون الموقع الجغرافي للبنان لم يكن ملائما لذلك، وبذلك لم يترتب على لبنان أي مشكلات وتبعات من عداء الارمن تجاه مغتصب ارضهم، ومرتكب مجازر بحقهم، على عكس الفلسطينيين، الذي عدوهم لازال يتمتع بقوة عسكرية وسياسية، كما أن موقع لبنان الجغرافي منحهم في فترات سابقة الاشتباك المباشر مع كيان الإحتلال الإسرائيلي، مغتصب ارضهم، ومرتكب مجازر بحقهم، وما ترتب عليه من مشكلات سياسية واقتصادية واجتماعية عانى منها لبنان.
4- الطائفة الارمنية تدين بالدين المسيحي، وهذا ما يشكل داعم ديمغرافياً و أيدلوجياً لوجودهم في لبنان، بسبب ان لبنان يتميز بالمشرق بتنوعه الطائفي، وشكله المسيحي خاصة، الذي يدعمه مسيحيو لبنان، على عكس الفلسطينيين الذين يدينون بمعظمهم بالدين الإسلامي، الذي لا يعد ميزة ايدلوجية او ديمغرافية في لبنان، لا بل لعب الدور الطائفي المذهبي كسنة وشيعة على عزلهم ومحاربتهم في بعض الاحيان.
5- عند لجوء الأرمن إلى لبنان انخرطوا في المجتمع اللبناني ومدنه ومؤسساته، على عكس الفلسطينيين الذين لجؤا الى مخيمات معزولة عن المجتمع اللبناني.
الخاتمة:
ان هذه الدراسة ليست انتقادا لتمتع الطائفة الارمنية في لبنان بالجنسية اللبنانية، وليست دعوة لإعطاء الفلسطينيين الجنسية اللبنانية، ولكنها مقارنة تاريخية انسانية، لتعامل الدولة اللبنانية مع الأرمن والفلسطينيين، ودعوة لتفعيل حوار حول الحقوق الانسانية والسياسية للفلسطينيين في لبنان مقارنة بالأرمن، واستنادا لقرارات الامم المتحدة، وقرارات جامعة الدول العربية، وميثاق الامم المتحدة لحقوق الإنسان، والبروتوكولات الاضافية واتفاقية جنيف، التي وقعت عليها جميعا الجمهورية اللبنانية بل أيضا للشرعة العالمية لحقوق الإنسان التي كان لبنان من رواد صياغة تلك الشرعة من بوابة الإعلان العالمي لحقوق الانسان.