كثيرٌ مِنا يُجيد إدارة كُلَ شيء إلا إدارة حياته , ويستطيع حَلَ مشاكلَ كثيرةٍ صعبةٍ وُمُعقَدَةٍ شريطة أن لاتكون مشاكله الشخصية , ولديه قدرة عالية على تحليل أسباب أمورٍ كثيرةٍ تحدثُ من حوله إلا الأمور التي تحدث معه , ومهارة مميزة في فهم كثيرٍ من الأمور إلا الأمور المتعلقة به , وماهرٌ في اكتشاف مكامن الخطأ وانتقاد كثيرٍ من الأشياء طالما أنها بعيدة عن محيط حياته , ولديه استعدادٌ أن يجلس مع أي أحدٍ إلا مع نفسه ومع من يتحتم عليه الجلوس معه , ويملك سعة صدر وطاقة احتمال وقدرةً على التغاضي والتجاوز والتسامح مع الجميع وفي كل شيء إلا مع أهله وأقاربه ..!!!
وكلنا – وبلا استثناء – تُكممنا الحياة وتخطفنا بعيداً عن ذواتنا وعن أحبابنا , فننهمك في أمورٍ كثيرةٍ معظمها بعيدٌ عن حياتنا , ونبتغي فيه الكمال , ولن يضرنا إن كانت كاملة أو ناقصة ..!!
نبتعدُ ونبتعدُ ونبتعد حتى نتوه ولانقدر على العودة ثانيةً حتى إلينا ..!!
كلنا لدينا حياة خاصة فيها تفاصيل كثيرة وتختلف من شخصٍ إلى آخر , فبعضهم دائرة حياته تكبرُ لتشمل زوجة وأبناء ومن يعولهم من أقارب وغيرهم , وبعضهم دائرته تضمه وتضم تفاصيل أخرى كثيرة ..
وكثيرٌ منا يقفزُ خارج دائرته ليبحث عن أمورٍ ناقصةٍ أو تحتاج إلى المساعدة , ولو بحث في دائرته الخاصة – صغيرةً أو كبيرةً – لوجد ألف إشارة S.O.S
( جملة Save Our Selves أو Save Our Souls وهي عبارة دولية تعني انقذوا أرواحنا أو أنفسنا ، تستخدم لطلب الانقاذ والاستغاثة ) أرسلتها صحته وذاته ونفسيته وعقله وجسده وحياته الاجتماعية والمادية والمهنية , لوجد ألف إشارة S.O.S يطلقها كل لحظة من حوله من أم أو أب أو زوجة أو زوج أو ابن أو ابنةٍ أو قريبٍ يقوم على أمره .., نتجاهلها باحترافية عالية للغاية ونبحث عن S.O.S بعيدة عنا لنهب كفرسان أقوياء لإغاثتها ..!!!
واللهِ – وهذه يمينٌ أقفُ بها أمام الله عز وجل – أننا لو اقتربنا من محيط من حولنا ممن هم مسؤولون منا ومتعلقون بنا لوجدنا إشارات استغاثة كثيرةُ تُطلقُ ولا نراها لأننا نُغردُ خارج السرب ونُبصر البعيد ولانرى القريب ..!!
قد تُرسل هذه الإشارة أمك أو أبوك أو ابنك أو ابنتك أو من تعلق أمرهم بك , وأنت لاه ومنشغلٍ وسارح في أراضٍ ليست لك ولاتخصك , ثم تحدث كارثة – لاسمح الله – وتتنبه متأخراً وقد فات الفوت ووقع الفأس في الرأس ولات حين مناص ..!!!
مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول : ( كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ )
وقال صلى الله عليه وسلم : (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي )
وقال صلى الله عليه وسلم : ( إذا كان أحدكم فقيرا فليبدأ بنفسه ، فإن كان له فضل فليبدأ مع نفسه لمن يعول )
قد يضع أحدنا قدماً على أُخرى ويناقش ويحلل ويفند وينتقد ويوجد حلولاً وخططاً رئيسة وأخرى بديلة لأمور كثيرةٍ , قد تصل إلى مشكلة انقراض القرود الذهبية ذات الوجه الأزرق الموجودة في الصين , أو محاولة رفع مستوى فريق ( بوتان ) ..!! , ولكنه لايتنبه إلى مشكلة صحته الآخذة في الانحدار أو طريقة حياته المادية أو تطوير عمله ومهنته أو أن ابنته تعاني من انحرافٍ سلوكي خطير أو أن ابنه قد سلك طريقاً منحرفاً خطراً للغاية أو أن حياته الزوجية والاجتماعية تقف على شفا جرفٍ هار ..!!!
علينا أن نعيد ترتيب حياتنا وتنظيم أولوياتنا والعودة إلى دوائرنا أولاً ، فنتفقدها ونتمها ونعتني بها ونقوم بما يلزمها ونقدم لها ماينقصها , ثم إذا بقي لدينا مانعطيه ومانقدمه نخرج للحدود القريبة من الدائرة ونتوسع بعقلٍ وحكمة بالغة ..!!
ولنحلق بطائرة عقولنا وبصيرتنا ولنتفقد من حولنا فقد نجد S.O.S رسمها أحدٌ قريبٌ منا مراتٍ ومراتٍ ونحن لم نتنبه لها , فلنهرع إليه ولننقذه قبل أن نفقده ونعض أصابع الندم ..!!
قد نجد S.O.S أطلقتها ذواتنا , ولم نتنبه لها ..!!
دوزنةُ عقل :
أظلمً الظلمِ أن تُعطي من يستحق مالايستحق وأن تحرمَ من يستحق مما يستحق ..!!
أحمد سليمان النجار
مستشار أسري وتربوي معتمد
شبكة نادي الصحافة السعودي