الكاتبة - نور
بينما كنت جالسةً وأطيل النظر والتأمل
بالبحر والسماء وسعتها، تمنيت أن أملك
رحابة صدر وأملاً بالحياة بقدر سعتها.
رأيت الطيور وهي تحلق فيها لا تخاف
الإصطدام والتعثر، وهي تحلق
فيها، كان طريقها الذي تسلكه آمناً جداً.
وأنا جالسة على مقعدي بجوار أمواج البحر، كانت مشاعري تشبه تلك الأمواج في هيجانها وهدوئها، ما بين مد وجزر، وتختلف قوته.
لكل قطرة من البحر كان لها ألف معنى تحمله. اقتربت مني أمواجه ولم أشعر بالخوف منها، بل تمنيت أن أقذف بنفسي داخلها حتى ألقي ما بداخلي فيها، وأخرج منها، وأنا تخلصت
من كل الهموم المتراكمة.
أشبه نفسي بتلك السفينة
التي تمشي على أمواجها.
البحر مصدر جميلٌ للإلهام
للأدباء والشعراء والكتّاب.
كان للبحر حديث جميل بداخلي.
كان البحر يخاطبني قائلاً:
إنني أشعر بكل نظرة منك، أخرجي ما بداخلك. إذا أردت أن تخرجي من حزنك وألمك، انظري إلى عمق روحك.
كوني كالبحر في أعماقه، فإنه يُكن بداخله أشياء
ثمينة ويوجد به حياة أخرى تحت هذا البحر.
عالم آخر لا يعلمه إلا من يغوص في باطنه.
إذا فقدتِ شيئاً أحزنك، انظري إلى ما تملكين. طبيعة البشرية أن تنظري إلى ما فقدت، لا إلى ما تملكين.
مهما فقدت من حولك، فاعلمي أن الله سيعوضك،
ومهما فقدت، فإنك تملكين الكثير.
تخلصي من كل ما بداخلك، سأكون مستمعاً جيداً.
فقلت له:
دائماً من يرتاد البحار ويطيل النظر فيها يعيش لحظات من الهدوء والسكينة وينسى كل من حوله وكأنه يعيش بمفرده.
نعيش على أمواجه ذكريات من أحببنا.
نعيش على أمواجه ويتجدد الشوق،
ونتمنى أن يجمعنا لقاء على تلك الشواطئ.
نعيش على أمواجه ألم الفقد لمن كانوا بجانبنا، ونزور نفس المكان ونقف عليه، ونتخيل من كان معنا وفرقتنا الأقدار.
تمنيت وأنا أقف على شاطئ البحر
أن كل أمنياتي التي أردتها أن تتحقق الآن،
وأنا أقف عليه وأرى أمواجه.
تمنيت أن أجد شخصي المفضل
والمميز بين تلك البشرية التي تمر من حولي.
تمنيت وأنا أقف على شاطئ البحر
أن يجمعني الله بكل أمنية
وأنا ذاهبة، أن يكون هو من بين أمنياتي.
تمنيت يا بحر أن أعرف هل هو بخير.
تمنيت يا بحر أن أعلم شيئاً مما كنت أجهله عنه.
تمنيت يا بحر أن ترسم لي ملامحه وابتسامته،
وتكون هنا قد جبرت بخاطر من أحب وفقد واشتاق.
تمنيت يا بحر أن تنصف العاشقين والمحبين
وأن تنهي معاناة البعد والفقد.
تمنيت يا بحر أن ينطفئ الشوق مع الأمواج.
تمنيت يا بحر أن عيوني لا تشاهد إلا هو.
تمنيت يا بحر أن تنتهي وحشة
الفقد والغياب والشوق.
تمنيت يا بحر أن أرسل معك كل حديث يختلج بداخلي له، وأن تصف له ما بداخلي من جمال حب وحنين له أحتفظ به بداخلي.
تمنيت يا بحر أن تخبره أن بعالمي لا يوجد من يشبهه، كل البشر يوجد من أشباههم أربعون إلا هو لا يوجد منه أشباه.
تمنيت يا بحر أن تخبره أنني أتذكره مع كل صوت قطرة مطر، ومع كل سهر ليل طويل، ومع كل فرحة وحزن أعيشها، وبكل مرة أقف على شواطئ البحار.
أخبره يا بحر أنه بعقلي وبين
أفكاري بكل وقت وحين.
تمنيت يا بحر أن أجد من يشبه القلب الذي أملكه، والأخلاق والنية الطيبة التي عشت بها، وبكل مرة تلقيت وجعاً وألماً، صفعة الثقة التي منحتهم إياها.
بكل مرة يا بحر يخبروني أنهم
لا يستحقون ما منحتهم إياه.
تمنيت يا بحر أن تمنح لي
الثقة كما منحتها لهم.
كيف أصف لك حجم ما أعاني عند الحزن والفرح من فقده، وعدم القدرة على الوصول واللقاء به من جديد.
تمنيت يا بحر إذا لم يكتب لنا الله الإجتماع واللقاء في الدنيا أن يجمعنا بالفردوس الأعلى من الجنة.
تمنيت يا بحر أنه هو من
يلقنني الشهادة عند الموت.
تمنيت يا بحر أن يكون آخر من أراه
عندما تغلق عيناي وأنتقل إلى مثواي الأخير.
تمنيت يا بحر أن أوصيهم أن يكون من بين من يشيع جنازتي.
تمنيت يا بحر أن أوصيهم أن يكون هو من يضع التراب على جسدي ويغلق قبري.
تمنيت يا بحر أن أوصيهم أن يخبروه
ألا يهجر قبري وأن يأتي لزيارتي
والدعاء لي عند قبري.
تمنيت يا بحر أن أوصيهم أن يخبروه
ألا يحزن ولا يذرف الدموع، وألا يتألم
لموتي لأن حزنه ودموعه تزعجني وتحزنني وتؤلمني.
لدي كثير من الأمنيات يا بحر، وأتمنى أن أجمعها وألقيها بداخل زجاجة الأمنيات، وأحكم إغلاقها وأرسلها إلى أمواجك لترسلها إلى شاطئ أمنياتي قريباً، وتخبرني بتحققها.
هنا جاء موعد رحلتي والعودة إلى مدينتي.
تمنيت بوقتها أن يطول الحديث بيننا، وأستطيع تأجيل
رحلتي لنتبادل الهموم يا بحر.
كم كان الحديث والفضفضة مريحاً جداً.
دائماً أسرارنا البحر لا يبوح بها لأحد.
أمواجه التي كنت أشاهدها تأخذني
إلى عالم آخر ممتلئ بالحب والتفاؤل والأمل.
لا يمكننا عبور البحر بمجرد الوقوف
والتحديق في الماء.
كنت يا بحر ذاك البعيد، ولكن أكثر
إخلاصاً وحباً من صديق قريب.
خاطبني البحر قائلاً:
أمنياتك جميلة وسترى النور قريباً، وتشاهدين الفرح
بأيامك القادمة.
فقط كوني على ثقة برب الأمنيات.
كان وصفك للحب والشوق والغياب لشخصك المفضل رائعاً وأكثر دقة وصف مشاعرك الصادقة التي تخلو تماماً من الزيف والشك والكذب.
جمعك الله مع من أحببت بلقاء قريب
يطفئ الشوق وينسيك مرارة الفقد والأيام التي عشتها من دونه.
لا تخافي ألا يجمعك الله بمن يشبهك بالنقاء
والصفاء وبنفس كمية جمال المشاعر وصدق المحبة.
دائماً الله عادل بين البشرية ويكون مع أصحاب القلوب والنية الطيبة، حتى يسخر لهم من الحظوظ أجملها وأوفرها.