**الأعلامى. عبدالله عبدالهادي**
في مداخلتي ضمن فقرة "مشاركات المستمعين" في برنامج "بك أصبحنا" على إذاعة نداء الإسلام بتاريخ 1/3/1446 الموافق 4/9/2024، تناولت موضوعًا أساسيًا يلمس حياتنا اليومية: الاحترام. هذا المفهوم الذي قد يبدو بسيطًا، يشكل العمود الفقري الذي يعتمد عليه المجتمع، ويتغلغل في أعماق النفس البشرية.
**الاحترام يبدأ من الذات: الأساس النفسي**
الاحترام ليس مجرد تصرف اجتماعي يُملى علينا، بل هو انعكاس لصحة النفس واعتزاز الشخص بذاته. يبدأ الاحترام من داخل الإنسان، حيث ينبغي أن يحترم الشخص ذاته أولاً قبل أن يستطيع إظهار الاحترام للآخرين. الاحترام الذاتي يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالصورة التي يكونها الشخص عن نفسه، وهي صورة تتشكل عبر تجارب الحياة والتربية التي يتلقاها الفرد منذ الطفولة.
التربية السليمة التي يتلقاها الطفل في بيته تلعب دورًا كبيرًا في بناء هذه الصورة الذاتية. حينما يغرس الأبوين في الطفل قيمة الاحترام، يتعلم أن احترام الآخرين ينبع من احترامه لنفسه. الطفل الذي يكبر وهو محاط بقيم الاحترام، ينشأ واثقًا بنفسه، قادرًا على التفاعل بإيجابية مع محيطه.
**الاحترام كعامل رئيسي في العلاقات الاجتماعية**
الاحترام ليس مجرد صفة شخصية، بل هو الأساس الذي تبنى عليه تفاعلاتنا اليومية مع الآخرين. في مجتمعنا، الذي يعتمد على التفاعل بين الأفراد والجماعات، يصبح الاحترام ضروريًا لاستمرار هذه العلاقات بشكل صحي وبنّاء. الاحترام يعزز الثقة المتبادلة بين الأفراد، ويخلق بيئة يسودها التفاهم والتقدير.
في مداخلتي، تحدثت عن تجربة شخصية مع مجموعة تطوعية جديدة، حيث كان الاحترام هو المحور الذي دار حوله الاجتماع. رغم أن أعضاء المجموعة لم يكونوا يعرفون بعضهم البعض جيدًا، إلا أن الاحترام المتبادل للأفكار والآراء المختلفة ساهم في تحقيق التفاهم والوصول إلى الأهداف المرجوة. هذه التجربة تؤكد أن الاحترام يمكن أن يكون القوة الدافعة التي تجعل التعاون ممكنًا حتى في أصعب الظروف.
*الاحترام في السياق الثقافي والديني**
في مجتمعنا الإسلامي، يُعد الاحترام من القيم الأساسية التي حثنا عليها ديننا الحنيف. يدعو القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة إلى احترام الآخرين، بغض النظر عن اختلافاتهم. الاحترام في الإسلام يتجاوز التعامل الحسن مع الآخرين ليشمل احترام حقوقهم وخصوصياتهم ومعتقداتهم. من هنا، يصبح الاحترام واجبًا دينيًا وأخلاقيًا لا بديل عنه.
**أثر الاحترام على المجتمع**
المجتمع المبني على أساس الاحترام هو مجتمع متماسك ومستقر. يسهم الاحترام في تقليل الصراعات، سواء كانت هذه الصراعات داخل الأسرة، في بيئة العمل، أو في المجتمع الكبير. عندما يُظهر كل فرد احترامه للآخرين، يتولد شعور بالانتماء والمسؤولية المشتركة، مما يعزز من السلام الاجتماعي.
كما أن الاحترام يلعب دورًا محوريًا في خلق بيئة إيجابية تحفز على الابتكار والتطور. في المؤسسات التعليمية، على سبيل المثال، عندما يسود الاحترام بين المعلمين والطلاب، يصبح الجو التعليمي مشجعًا على التعلم والإبداع. وفي بيئة العمل، يعزز الاحترام بين الزملاء الإنتاجية ويحسن جودة العمل.
**في الختام: الاحترام ضرورة لا غنى عنها**
الاحترام ليس مجرد سلوك يُمارس في مناسبات محددة، بل هو جزء لا يتجزأ من حياتنا اليومية. إنه يعكس مدى نضجنا، وقيمنا، ونظرتنا إلى الآخرين. من خلال احترامنا لأنفسنا وللآخرين، نبني مجتمعًا أكثر عدالة وإنسانية وتقدمًا.
لهذا، من الضروري أن نعمل على غرس هذه القيمة في كل جانب من جوانب حياتنا، وأن ننقلها إلى الأجيال القادمة. الاحترام هو الطريق نحو مجتمع أكثر سلامًا وتفاهمًا، وهو الركيزة التي نبني عليها مستقبلًا أفضل لنا ولأبنائنا.