النسيان .
النسيان ذلك العالم الذي نطرق أبوابه عند لحظات الآلآم والتعثرات والخذلان لنهرب من خلاله من ضربات الحياة الموجعة ؛ ظنا منا أنه هو الدواء الذي ينسينا خسارتنا، فالبعض قد يذرف دموع الندم والأسف ؛ لكي ينسى، وهناك من يصرخ بصوت عالٍ ليخرج ما بداخله من وجع ؛ لكي ينسى، أو يبذل جهدا مضاعفا يفوق طاقته ؛ ليجبر عقله أن يتوقف عن التفكير ؛ لكي ينسى، وقد يستخدم البعض سلاح الصمت عندما تختفي الحروف وتضيع الكلمات ؛ فيقسو على نفسه ويبتلع مرارة الظلم والقهر ؛ لكي ينسى وأصعبهم من يجعل خسارته كسوط يجلد به كل من يحاول الإقتراب منه ، وقد يتخذ منها فخا يصطاد به فريسته ؛ ليذيقها مرارة الألم الذي تجرعه، ومنهم من يقف على محطة الإنتظار ؛ لعله يجد من يأخذ بيده و ينسيه ولو جزء بسيط من خسارته، تلك بعضا من حلول وطرق النسيان وغيرها الكثير، ولكن الحقيقة ليس هناك نسيان بل تناسي، فالنسيان أكبر وهم صنعناه ونسجنا خيوطه بأيدينا، كذبة نعيشها ؛ لنهرب من واقع فُرض علينا رغما عنا ؛ لنقلب صفحة من صفحات العمر أرهقت كاهلنا ؛ لنحاول أن نعيش مرة أخرى ؛ فنخفف من لحظات الألم و السعي وراء الإنتقام ونُطفىء الغضب والكراهية ولكنها لن تزول بل سنظل نتعثر بها بين كل فصل من فصول حياتنا، بالرغم من ذلك يظل النسيان بمثابة جرعة أوكسجين ؛ لنتعامل بأناقة مع تلك الخسائر ؛ لكي لا تصدأ هويتنا مع الأخرين وجسر عبور بين متاهات العمر ، وسيبقى كل شيء عالق بنا رغم مرور الزمن و تعجز يد النسيان أن تطاله ..
الكاتبة /
سميرة عبدالهادي