لستُ منافقاً ..

سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر

لستُ منافقاً ..

الكاتب / محمد بن منصور .


تحتاج علاقاتنا الإنسانية دائما لكثير من الممارسات اليومية التي نتداولها في ما بيننا باستمرار، والتي أحيانا لا تعبر عما نضمره داخل ذواتنا، أو يتفق مع تطلعاتنا ومع ذلك نضطر للقيام بها تجاه الآخرين بتمرير بعض التصرفات الخاطئة وعدم الإعتراض عليها صراحة وكذلك تجنب الصدامات المباشرة وتفهم بعض الأخطاء هنا وهناك، ولعل هذا التماهي والتغافل المستمر سيرسخ تلك الصفة في بعض الأشخاص، فتتحول إلى سلوك وطبع ملازم لهم يميزهم عمن سواهم، وعند فحص هذا السلوك تحت المجهر يلوح في الأفق تساؤل هل يتوافق هذا التصرف مع مفهوم النفاق الإجتماعي الذي يتركز معناه في أنه إظهار ما قد يخالف الإضمار. واستنادا لما سبق أحببت تسليط الضوء في سطوري هذه على ضرورة فهم المفارقة بين مفهوم النفاق الإجتماعي والمجاملة الإجتماعية.
ومن أجل ذلك لا بد من إدراك أن معنى النفاق الإجتماعي عمليا ينطوي على تقديم سلوك حسن لإنجاح كمين منتظر يقع الآخر فيه، فيتسنى لصانعه الحصول على مكسب غير مستحق من ضحيته، كالثعلب الذي أوهم الغراب بأن صوته حسن عندما يغني فانخدع الغراب، وغنى له فسقطت قطعة الجبن التي كانت في منقاره ليفوز بها ذلك الثعلب الماكر. وعلى العكس من ذلك فالمجاملة تتمثل في تجاوز ما قد لا تحبه وتمريره أو حتى الموافقة عليه مقابل الحفاظ على مكسب أكبر تحبه. ولتسييل هذه الفكرة على الواقع لنفترض أنك احترمت قانونا أو نظاما لا يروقك ولا تؤيده، لكنك التزمت به حتى تحافظ على قيمة عُليا ومهمة مثل مفهوم المواطنة الصالحة، وكذلك لو تلقيت دعوة إلى زيارة أحد أقاربك من الذين قد لا تحبهم ولا تتوافق مع تصرفاتهم تجاهك ومع ذلك لبيت الدعوة من أجل الحفاظ على قيمة أكبر وهي صلة الرحم.
ومن زاوية أخرى نجد أنه من البداهة أن يذهب البعض للإعتراض على المداهنة التي تُسقط الحقوق، وتتعدى على الحدود، وهنا أؤيد ما ذهبوا له ومؤكدا أنه من الأساس أن ندرك أنه لا مجاملة في محظور كالقيم والكرامة وما شابههما، أو في ما قد يعيق الوصول للحقيقة، لكن إزاء ذلك يتوجب توخي اللطف في إيصال الرسائل التي نريد آخذين في الإعتبار ردات فعل الآخرين بتجنب الصراحة التي قد تتجه "للوقاحة" خصوصا إذا ما كان الموقف لا يستحق تلك المكاشفة أصلا، ولا أجد مثالا أبلغ من رؤيا ذلك الملك الذي رأى فيها أن كل أسنانه سقطت، فعندما أراد تعبيرها قال له المُفسر الأول ، إن كل أفراد أسرتك سيموتون تباعا وأنت آخرهم، فغضب منه وحبسه وعندها استدعى معبرا آخر، وسأله حينها عن تفسيره، فما كان منه إلا مجاملته، دون أن يكذب عليه، فقال له أنت أطول عمرا من جميع أفراد أسرتك، فشكره وأكرمه. وخلاصة القول نجد أنه من المستقر عليه أن المجاملة مهمة جدا في تثبيت الإندماج المجتمعي وكذلك في اتقاء انفعالات الآخرين السلبية وتخفيف ضررهم وسببا لتيسير الأمور والتقليل من العداوات واستراتيجية باهرة في توصيل الأفكار ووجهات النظر طالما أنها بقيت تحت قاعدة عدم استغفال أو خداع الآخرين للحصول على مكاسب غير مستحقة أو وسيلة للإنقضاض على حقوقهم وأذيتهم.
أما الرافضون لها إطلاقا، فيبدو لي أن هذا الرفض يعبر عن ذوات قلقة وغير متقبلة لسنة الإختلاف وذات لغة تواصلية فظة ومحدودة مع الآخرين. لأن الفظاظة لا تُعبر إلا عن وعي متصلب، وعلى الأرجح أنه سيؤدي بصاحبه للمهلكة. ويتضح ذلك في قوله تعالى "ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك " وقول سيدنا رسول صلى الله عليه، وسلم " شر الناس عند الله من ودعه الناس اتقاء فحشه"
وختاما كم من صريح فَقد أصدقاءه، وكم من مُجامِل كسب أعدائه.


غاليه الحربي غاليه الحربي
المدير العام

المالكة ومدير عام ورئيس تحرير صحيفة شبكة الصحافة للنشر الالكتروني - مدير عام المنابر التعليمية والتربوية بالشبكة

2  565 0

الكلمات الدلالية

آخر المعجبين بالخبر

التعليقات

أبو أصيل آل مبارك

دائما صدوق في حرفك كما تعودنا جامعاً مصنّفا كل موضوع تطرحه في سبيل ايصال كل ما هو واقعي بدون تكلف فتتحفنا بجميل عطائك اخ محمد ???? لا فض الله فااااااك ????

2024-08-07 02:16م
1
أبو أصيل آل مبارك

دائما صدوق في حرفك كما تعودنا جامعاً مصنّفا كل موضوع تطرحه في سبيل ايصال كل ما هو واقعي بدون تكلف فتتحفنا بجميل عطائك اخ محمد ???? لا فض الله فااااااك ????

2024-08-07 02:18م
2

اكتب تعليقك هنا

اخبار مشابهة

اخبار مقترحة