أهلاً بالضيف العزيز .
يأتي رمضان في كل عام، ليهديك أروع الهدايا وأرقى العطايا، وهي هدية التأمل والتغيير. ففي زمن التسرّع والإنشغال، يأتي رمضان ليُذكّرنا بأهمية الصبر والتفكّر. إنه شهر الإعتدال والمحبة، الذي يُعلّمنا كيف نكون أفضل نسخة من أنفسنا، وهو شهر الخير والبركة الذي يُذّكرنا دائماً أن النمو الحقيقي يأتي من التغيير الداخلي الذي نحققه في أعماقنا,
ان رمضان، شهر الصيام والتسامح، شهر الفضيلة والتصالح مع النفس وما بها من عيوب... ورمضان يأتي كل عام كضيفٍ مُباركٌ يُنير مساكننا ويضئ قلوبنا. وكما يُقال، إنما الضيف كالقمر، يزورنا مرة في الشهر. ولكن ماذا لو كان ذلك الضيف يزورك شهراً كاملاً حاملاً لك معه هديةً غير معهودة؟ وماذا عن تخيلك لما ستجده لحظة افتتاح صندوق الهدايا وما ستجده بها؟ بالطبع ستجد بداخلها حباً أعمق، ودعواتٍ أصدق، وفرصاً لتجديد العهد بالتغيير الإيجابي. فكل نفس تتطوع وتقبل على خالقها بصورة استثنائية مرة واحدة في كل عام لشهر كامل لتمضي بانشراح نحو الصيام عن كل شبهة ومحرم.
إن رمضان شهر المنحة والجائزة الكبرى التي منحنا إياها الله سبحانه وتعالى وتلك الليالي التي وصفها الشاعر بيرم التونسي قائلا هلت ليالي حلوة وهنية.. ليالي رايحة وليالي جاية.. فيها التجلي دايم تملى.. ونورها ساطع من العلالي...
بالطبع تلك الكلمات تأتي بنكهة فريدة وجميلة تعكس روح رمضان وجماله. إنها ليالٍ تملأ قلوبنا بالسكينة والسرور، وتجعلنا نشعر بقرب من الله ورحمته، لكن وعلى الرغم من ذلك أرى كل كلمات القاموس العربي والأعجمي لا تستطيع وصف الإحساس الكامن في أعماق النفس عن شهر رمضان الكريم،
فالنفس تعانق السلام والطمأنينة خلال هذا الشهر المبارك، ولذلك يجب أن نسأل انفسنا، هل نحن راضون عنها؟ عن عبادتنا؟ وعن علاقتنا مع الناس عامة ومع خالقنا خاصة؟ هل نحن راضون عن أخلاقنا؟
فكلنا نحتاج إلى إعادة النظر في أوضاعنا وإعادة تقييمها وتحليلها بعمق، سواء كنا نواجه الفشل أو نحقق النجاح. فعلينا أن نتفحص جيدًا أسباب الفشل ونعالجها بحزم، ونحافظ على جوانب النجاح التي حققناها ونعمل على تعزيزها وتطويرها بشكل دائم. ورؤية جوانب النجاح التي حققناها ونحافظ عليها بل ونحاول أن نزيد منها.
ونعمل على محاسبة أنفسنا قبل أن نقف للحساب يوم الحساب وقبل أن يأتي يوم لا ينفع فيه الندم؛ وإذا كانت الدنيا بمشاغلها و روتينها تنسينا لوم النفس ومحاسبتها على كل صغيرة وكبيرة؛ فرمضان هو أكبر فرصة لإعادة التفكير في حياتنا والتأمل في تقصيرنا، سواء كان ذلك هجرنا للقرآن الكريم أو انقطاعنا عن تدبره وفهمه، أو في صلتنا بالأرحام والأقارب والجيران، أو تدبير أمورنا المالية ومصدر دخلنا، أو اهتمامنا بأسرتنا وأطفالنا وإخوتنا،
إن شهر رمضان المبارك موسم وفرصة مواتية لمحاسبة النفس والوقوف معها وقفة تأمل وتفكر وتدبر حقيقية؛ فلو فكرت للحظة ستجد الحياة قصيرة جداً، فما هي إلا لحظات يعيشها الإنسان، وكأنه عابر سبيل إلى دار البقاء.
فشهر رمضان ليس فقط شهر الصيام والصلاة، بل هو فرصة لنعيش بعمق ووعي، ولنصنع من أنفسنا هديةً جميلة نُقدمها لأنفسنا وللعالم من حولنا. فلنستقبله بقلوب مفتوحة وعقول مستنيرة، لنستمتع بحضوره ونستفيد من دروسه وهداياه.
لذا، فلنستقبل رمضان كضيفٍ عزيز، يُعلّمنا القيم الحقيقية ويمنحنا الفرصة للنمو الروحي. ورمضان كريم وكل عام وأنتم بخير.
الكاتب / طارق محمود نواب