شهر رمضان -- تـقـية وتـنـقـية
الكاتب / ابراهيم احمد آل الفقهاء
شهر رمضان هو الشهر التاسع من أشهر السنة القمرية، وهو الركن الرابع من أركان الإسلام، ورمضان مأخوذ من الرمضاء الحر الشديد وقيل فيه غير ذلك كثير والأرجح أنه شرع في حر شديد في مكة ولذلك كانت التسمية حيث كان الناس يسمون أشهر السنة حسب وقت وقوعها أو في الوقت الذي تمت فيه التسمية أو حسب نوع الشهر، على أن الاسم كان معروفاً قبل الإسلام (عام 412م). وكان الصوم معروفاً في الجزيرة العربية في الجاهلية ولم يفرض إلا في السنة الثانية للهجرة الموافق 634م. وقد بلغت أسماء رمضان في الإسلام ستين أسماً تقريباً ومنها: (شهر الله، شهر القرآن، شهر الغفران، شهر الآلاء، شهر النجاة، شهر الرضوان، شهر المواساة، شهر الصبر، شهر الرحمات،-- إلخ).
علماً أن كلمة (شهر) لا ترد مع الأشهر العربية إلا مع (رمضان) قال تعالى: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن)(1). وهذا دليل على أن العرب يقولون شهر رمضان وليس رمضان مجرداً لأن القرآن نزل بلسان عربي فصيح.
هذه الديباجة الفاخرة والمؤصلة تاريخياً, المؤطرة دينياً تشريفاً وتكليفاً وأمراً ليست بدعاً من القول ولا محاولة مستميتة لإثبات صفة اعتبارية لأمر ما بل هي حق مستحق وشرعية مثبتة من لدن الشارع الحكيم لضيف كريم من فئة (VIP) (شهر رمضان الذي أنـزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه).(2)
هذا الزائر رفيع المكانة هو استثنائيا في كل شيء فهو عزيز في حله وترحاله حيث يأتي بعد اشتياق كبير ويرحل سريعاً ومازالت المشاعر له عطشى، وهو الكريم في نزوله علينا مضيفاً وليس ضيفاً كيف لا وهو يأتي محملا بالخيرات محاطاً بالنفحات فاتحاً لنا باب الجنان ومغلقاً عنا باب النيران تصفيداً لألد أعدائنا ومهيأً لنا سبل النجاة من النيران ومسهلا لنا طرق كسب الحسنات ومحو السيئات في حين جرت العادة بأن الضيف يكون على أكف الراحة وينعم بالخدمة المسداة له, فبالله عليكم من الضيف ومن المضيف؟
إذا كان هذا رمضان معنا وهو كذلك بنص قوله صلى الله عليه وسلم : (عن أبى هريرة، رضى الله عنه، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين) (3)
فما هو وضعنا معه هل أدينا أبسط واجبات الضيافة من احتفاء بسيط يصب في صالحنا في نهاية الأمر؟
أم هل قابلنا الجود بالجحود والكرم بالبخل والحرص بالإهمال؟
وفي غمرة بهجتنا بهذه الإطلالة الروحية التي هي أداة تنقية لما في النفس من معاصي وسلوكيات قد يرفضها الذوق العام قبل الدين وتقية لها (النفس) من عذابات الدنيا والآخر (اللهم أجرنا من خزي وخزي الآخرة).
يبقى للنفس تساؤلات قد يكون لا بد فيها من إعمال مبضع الطبيب المصلح اقتناصاً لمواسم الخير خلوصاً لنية العمل وصدقاً مع النفس في نيل هذا الكرم تنقية وتقية ومنها:
كيف هو حالنا مع الصلوات؟ (كم هو قبيحاً التجمل بكامل الزينة في صلاة التراويح السنة المؤكدة والتأنق التام في حين نغط في نوم عميق عن أقرب الفروض (صلاة الفجر) ناهيك عن العصر والظهر).
هل تهذبت سلوكياتنا العامة؟ (صدق الحديث، خلوص نية العمل، المراقبة الذاتية، حسن التعامل، ترك الجدال غير المفيد، لاحتساب الأخر من الله) عنْ أَبي هُرَيرَةَ قالَ: قالَ رسولُ اللَّه ﷺ: (إِذا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحدِكُمْ، فَلا يَرْفُثْ وَلا يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ، أَوْ قاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ: إِنِّي صائمٌ). (4)
هل ابتعدنا عن الملهيات والمنكرات، الإقلاع عن التدخين وما شابهه إلى آخر تلك السلوكيات الضارة). لا سيما والصوم نظاما ضابط صحي كما هو اخلاقي وتعمل به عدة مراكز طبية لعلاج مرضاها.
والحديث يطول والمساحة تضيق ولن نفيه حقه ولكن خير الكلام ما قل ودل بالتقاط خيط العبارة الشاردة مباركة لنا جميعا بإدراكنا إياه داعياً الله أن يمد في عمر الجميع على الطاعة والعمل المقبول وأن يبلغنا وإياكم رمضان أعوام عديدة وأزمنة مديدة ونحن وقيادتنا والأمة الاسلامية في سؤدد وعز ومنعة.
ولعلي اختم بإلقاء حجز المساءلة في بحيرة الصمت الراكدة قائلاً:
كيف هي مؤشرات أداء (التنقية والتقية) الرمضانية؟
هل هي معدة لكل شهور السنة، بل ليتها تكون للعمر قاطبة على أهبة الاستعداد تجنباً لغرق سفينة الحياة فلا ندري متى هي ساعة الصفر لبدء الرحلة (سعادة/تعاسة) الأبدية؟
إنه موسم خير سريعا ما ينقضي وحالنا ما بين رابح فرح وخاسر حزين إن كان لنا قلب منيب.
قال تعالى: (بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألفى معاذيره) (5)
(1) سورة البقرة، آية (185)
(2) المصدر السابق
(3) رواه البخاري ومسلم
(4) رواه البخاري ومسلم
(5) سورة القيامة، آية (14، 15)