سيناريو الحقيقة .
عندما تجلس في جلسة هادئة مع أصدقائك أو زملائك، وتبدأ في التحدث عن أحداث الحياة اليومية والأشخاص الذين تعرفهم، قد تجد نفسك تعيب على واحد من الأشخاص الذين تعرفهم بسبب ما قاله أو قام بنقله. وفي الواقع، هذا السيناريو يمكن أن يحدث مع أي شخص في أي وقت. فعندما تعيب على أحد الوشاة في وشايته وترى ما يفعله من نقل للأحاديث بين الأطراف المختلفة، قد تشعر بالدهشة من تصرفه هذا في كونه مشجعاً للغيبة والنميمة؟ حينها قد تجد الواشي أو النمام يتذرع ويدافع عن أفعاله هذه بزعمه أنه يقوم بنقل الحقيقة كما سمعها ولا يضيف شيئاً عليها. وهذا المنطق الغريب يثير أسئلة كثيرة حول المغزى الحقيقي لنقل الحقيقة ومدى فائدتها. ولكن هل قول الحقيقة دائماً مفيد؟
فبدايةً، يجب أن نعي أهمية قول الحقيقة في حياتنا اليومية. فالصدق أمر لا شك فيه جدير بالثناء والتقدير، فهو قيمة أساسية في بناء الثقة بين الناس والحفاظ على علاقات صحية، ومن خلاله يمكننا الوصول إلى المعلومات الدقيقة والصحيحة. فمثلا إذا قام شخص ما بنقل المعلومات بدقة وصدق، فإنه يسهم في نشر المعرفة وتعزيز التفاهم بين الأفراد. ومع ذلك، ممكن أن تكون هذه الحقيقة صادقة في ظاهرها، لكنها في الواقع قد تكون مشوشة أو ناقصة في المحتوى.
فمثلا قد يقوم ذلك الشخص بنقل معلومات صحيحة تماماً ولكن دون الوقوع في الحسبان السياق الذي قيلت فيه تلك المعلومات. حينها قد يؤدي هذا إلى سوء تفاهم بين الأشخاص وتفاقم الخلافات. لذا، يجب علينا أن نفهم أن الحقيقة ذاتها ليست كفيلة بإيصال الرسالة الصحيحة دائماً.
أما بالنسبة لناقل الحديث "النمام"، فقد يجد نفسه يدافع عن نفسه بحجة أنه لم يكن يقوم إلا بنقل الحقيقة كما سمعها دون تغيير أو تحريف. وهذا قد يكون صحيحاً، ولكن هناك جانب آخر يجب مراعاته، هو أنه من الأفضل أن يتحدث كل فرد مع الأشخاص المعنيين قبل نقل المعلومات ويطلب منهم التوضيح والإيضاح إذا كان هناك شك أو عدم وضوح فيما قيل. وبهذه الطريقة يمكن أن يساهم ذلك في تفادي سوء التفاهم.
والآن، هل قول الحقيقة دائماً مفيد؟ الإجابة على هذا السؤال ليست سهلة. فالحقيقة بلا شك قيمة هامة، لأنها تسهم في بناء الثقة والنزاهة في العلاقات الإنسانية والاجتماعية. ومع ذلك، هناك حالات يمكن فيها أن يؤدي قول الحقيقة بشكل مباشر إلى تصاعد النزاع وإلى إحداث مشاكل. فعلى سبيل المثال، في حالة توجيه انتقاد شديد أو تصريح صريح لشخص ما دون توخي الحساسية والرعاية في الطريقة التي يتم بها القول، قد يتسبب ذلك في جرح مشاعر الشخص وتدهور العلاقة، ولذلك، يجب أن نفهم أنها يمكن أن تكون مؤلمة أحياناً وتؤثر على العلاقات. وفي بعض الحالات، قد تكون هناك حاجة لنقل الحقيقة بلطف وحسن نية، وليس دائماً بشكل صريح وصارم.
وفي كل حال، تقع مسؤولية نقل المعلومات بدقة وصدق على عاتق كل شخص، ولكن أيضاً يجب أن يكون حذراً وحساساً للسياق وللعلاقة بين الأشخاص. فقول الحقيقة مهم، ولكن يجب مراعاة كيفية نقلها والتأكد من أنها لا تسبب ضرراً غير مبرر.
وأيضاً، يجب مراعاة السياق الثقافي والإجتماعي. فهناك بعض الثقافات تعتبر الصراحة المفرطة إهانة، في حين تعتبر أخرى الصدق المباشر مؤشراً على الإحترام. لذا، يجب تقييم السياق والعوامل المحيطة بالوضع قبل اتخاذ قرار بشأن كيفية التعبير عن الحقيقة.
لهذا السبب، يجب أن نكون حذرين وذكيين في استخدام الحقيقة. فمثلاً، يمكننا البحث عن وسائل لنقل الرسالة بشكل أكثر ليونة وتفهماً دون التضحية بالصدق. على سبيل المثال، يمكن استخدام الإستفسارات بدلاً من التصريحات المباشرة لفهم وجهات نظر الآخرين وإيجاد نقاط التوافق.
وفي كل الأحوال، قول الحقيقة مهم جداً، ولكنه ليس دائماً مفيداً. فقد يكون من الأفضل أحياناً تقديم الحقيقة بعناية وحذر، وتقدير الظروف والناس المعنيين، ويجب أيضاً أن نسعى للتوازن بين الصدق والتفهم في تعاملنا مع الآخرين، وذلك للمساهمة في بناء علاقات صحية ومثمرة دون تسبب في الأذى غير المبرر.
الكاتب / طارق محمود نواب