السبت, 10 فبراير 2024 07:07 مساءً 0 335 2
الإقتصاد وعبقرية المكان.
الإقتصاد وعبقرية المكان.

الإقتصاد وعبقرية المكان .


في هذا المقال سنتحدث عن تجربة هونج كونج الإقتصادية التي تعد قصة نجاح استثنائية بمعنى الكلمة،  قادرة على إلهام العالم أجمع تحقيق المزيد من التقدم،  فهذه التجربة ترسم الطريق نحو الخروج من الفشل الإقتصادي أو الفقر أو حالة العوز، حيث استطاعت هذه الجزيرة الصغيرة التي لا تزيد مساحتها عن 1,104  كم2، التحول من قرية صغيرة فقيرة تعتمد على صيد الأسماك، إلى أحد أكبر المراكز المالية العالمية خلال سنوات قليلة.

اقتصاد هونغ كونغ قائم على السوق الحر، وقائم على الخدمات ويتميز بالضرائب المنخفضة، والتجارة الحرة، والدولار الهونج كونجي ثامن أعلى عملة تداول في العالم، ويرتبط بالدولار الأمريكي منذ عام 1983، وتعتبر من أكثر الإقتصادات حرية في العالم بأسره وفقًا لمؤشر الحرية الإقتصادية، وتضمُّ أحد أعلى كثافات مقار الشركات التجارية في آسيا والمحيط الهادئ، وتُعرف بأنها أسهل مكانٍ في العالم لتأسيس رأس مال، ، وتشتهر بكونها واحدةً من النمور الآسيوية الأربعة لتطورها ونموها السريع منذ ستينيات وحتى تسعينيات القرن العشرين، حيث تضاعف اقتصاد هونغ كونغ المحلي الإجمالي منذ عام 1961 إلى 1997 180 ضعفاً، فيما ازداد الناتج المحلي للفرد بـ87 ضعفاً،  ويبلغ الناتج المحلي الآن 360 مليار دولار لعدد سكان  لا يزيد 7.3 مليون نسمة، وهذا انعكس بدوره على مستوى معيشة الأفراد، حيث ارتفع متوسط دخل الفرد  من500 دولار سنوياً، إلى 86 الف دولار في 2023 وفقًا للبنك الدولي.

تعد بورصة هونج كونج (HKEX) واحدة من أكبر البورصات في العالم، ومثَّلت 22% من رأس مال إطلاق سوق الأوراق المالية (IPO) العالمي ففي عام 2009 لتكون الأولى بهذا الترتيب، ووصل حجم القيمة السوقية لبورصة هونج كونج لأكثر من 4.2 تريليون دولار اعتبارًا من أغسطس 2023، وفقًا لفيجوال كابيتاليست، أما عن  ميناء هونج كونج  فهو أحد أكثر موانئ الحاويات الدولية ازدحامًا وكفاءة في العالم، ويعتبر ميناءً رئيسيًا في سلسلة التوريد العالمية، لأمر لم ينتهي عند هذا الحد، بل تحتل مرتبة متقدمة  في ترتيب نسبة العائلات المليونيرية من السكان، لتأتي بعد سويسرا وقطر وسنغافورة، حيث تمتلك 8.5% من كافَّة الأسر الهونغ كونغية بما لا يقلّ عن مليون دولارٍ أمريكي، كما تحتلُّ المرتبة الثانية في مؤشر سهولة افتتاح الأعمال التجارية، بعد سنغافورة مباشرةً.

 حديثي عن تجربة هونج كونج الإقتصادية لم يأتِ من فراغ، وليس مجرد صدفة، فهناك سمة تشابه واضح بين هونج كونج والمملكة، فكلا البلدين لديهما موقع استراتيجي في العالم، حيث تقع المملكة في قلب العالم وبالقرب من أحد أهم الممرات الملاحية العالم الذي يشهد مرور أكثر من 12% من حجم التجارة العالمية التي تقدر بـ17.8 ترليون دولار، ولكن الفرق هو أن هونج كونج استغلت الفرصة، وأقامت أحد أهم الموانئ في العالم، وأصبحت جزءًا رئيسيًا في سلاسل التوريد العالمية، الذي لا يستطيع أن يستغنى العالم عنه.

 ليس هذا فقط، بل استطاعت هونج كونج الفقيرة التي لا تمتلك موارد طبيعية أو أي ثروة تقريبًا، وتستورد معظم الطعام والمواد الخام، حيث يبلغ مقدار الواردات في هونغ كونغ أكثر من 90% من الأطعمة، والقطاع الزراعي في المدينة محدود جداً،  فيساهم بنسبة 0.1% فحسب  من الناتج المحلي الإجمالي، ورغم ذلك  استطاعت أن تُحول هذا العجز في الموارد إلى وفرة بصورة غير عادية، من خلال استخدام موقعها الإستراتيجي أيضًا بالشكل الأمثل،  فتحولت لمركز مالي عالمي من خلال بعض السياسات الهامة مثل تخفيض الضرائب، ووضع سياسة اقتصادية حرة قائمة على السوق المفتوحة ، وأصبحت تحتل المرتبة الحادية عشرة عالمياً في التجارة،  وتحولت لأحد أكبر مراكز إعادة التصدير على مستوى العالم، من خلال إعادة تصدير الكثير من البضائع التي تستوردها من الدول الأخرى.

 وأخيرًا وليس آخرً، فهذه التجربة تُعتبر مثال حي على عبقرية المكان الذي أكرم الله به المملكة، وتكرار هذه التجربة في المملكة أمر ممكن، خاصة في  ظل الجهود الحثيثة المبذولة من الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده محمد بن سلمان-حفظهما الله- على استغلال موقع المملكة بالشكل الأمثل خلال السنوات الأخيرة، بما يعود على المملكة بالخير الوفير بإذن الله عز وجل.
    
الكاتب :
أ.د محمد احمد بصنوي

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر

محرر المحتوى

غاليه الحربي
المدير العام
المالكة ومدير عام ورئيس تحرير صحيفة شبكة الصحافة للنشر الالكتروني - مدير عام المنابر التعليمية والتربوية بالشبكة

شارك وارسل تعليق

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من إرسال تعليقك

أخبار مقترحة