الذهب الأخضر المفقود .
دائمًا ما أتحدث على ضرورة استغلال أي فرصة لتنويع مصادر الدخل، والعمل على تلبية الاحتياجات المحلية، وتوجيه الفائض للتصدير، حتى لا يكون الإقتصاد عُرضة للتقلبات، عند حدوث أي اهتزاز في أسعار النفط الذي تعتمد على البلاد بأكثر من 90% وفقًا لبعض التقديرات.
من المؤسف أن تحتل المملكة المركز الـ20عالميًا في استيراد الزيوت، رغم إمكانية إنتاجه محليًا، بل والتصدير، حيث تستورد المملكة 1,21 %، من واردات العالم من زيوت الطعام بقيمة تتخطى الـ 335 مليون دولار لعام 2019، وتأتي إندونيسيا في المركز الأول من الدول المُصدرة للمملكة بنحو 176,200 مليون دولار سنوياً، ثم تأتي ماليزيا في المركز الثاني بنحو 52,681 مليون دولار، ثم الاتحاد الروسي في المركز الثالث بنحو 43,082 مليون دولار، ثم الولايات المتحدة الأميركية في المركز الرابع بنحو 32,739 مليون دولار سنوياً، وتأتي في المركز الخامس تركيا بقيمة 30,105 مليون دولار من واردات زيوت الطعام بالمملكة، وفقا لإحصائية "مزيج للإستشارات الإدارية والتسويقية" المنشورة في جريدة "الرياض".
زيوت الطعام صناعة ضخمة على المستوى العالمي، حيث تُقدر بـ 104 مليارات دولار، ويبلغ نمو سوق زيت الطعام بنسبة 2 % سنويا بنحو 2 مليار دولار سنويا، بينما تبلغ إجمالي استيراد العالم لزيوت الطعام بنحو 27,7 مليار دولار، وتعد إندونيسيا من أكبر منتجي الزيوت على مستوى العالم حيث انتجت 34 مليون طن من الزيت عام 2021 بقيمة تجاوزت الـ 15 مليار دولار، ومثل الزيت 15% من مجموع صادرات إندونيسيا العام الماضي، ويعتمد عليه 17 مليون شخص من المزارعين والعمال والمصنعين والتجار الإندونيسيين، يتوقع أن تنتج إندونيسيا هذا العام 46.9 مليون طن متري من زيت النخيل الخام، وفقًا لما نشر في موقع "الجزيرة".
صحيح أن هناك إمكانية لإنتاج زيت النخيل في المملكة، ولكن الأمر ليس بهذه البساطة، فبالرغم من وجود ما يقرب من 400 نوع من النخيل في المملكة بعدد 34 مليون نخلة، أي لكل مواطن نخلة تقريبًا، إلا أن هذا النخيل المنتح للزيوت ليس متوفرًا في المملكة، رغم إمكانية زراعته، وتلائمه مع المناخ السعودي، ومردوده الإقتصادي، فهو منتج للزيوت بشكل وفير بعد ثلاثة اعوام فقط من زراعته، وهذه المدة ليست كبيرة على الإطلاق، وإنتاجيته أعلى من زيت الذرة بأربعة أضعاف، ومن دوار الشمس بـ9 أضعاف إنتاجية، من حيث وحدة المساحة، وهو وكفيل بتحويل المملكة من بلد مستورد للزيوت إلى بلد لديه اكتفاء ذاتي من هذه السلعة الهامة، ليس هذا فقط بل والتصدير ايضًا، وعلى المدى الزمني المتوسط والطويل قد نزاحم الدول الكُبرى في هذا المجال، ولما لا ، فالمملكة من أكبر الدول عالميًا في زراعة النخيل وإنتاج التمور، وتكرار التجربة مرة أخرى في نخيل الزيت ليس صعبًا.
أهمية نخيل الزيت لا تتعلق فقط بأنه منتج لزيوت الطعام التي تعتبر من أهم السلع الغذائية الإستراتيجية، بل أنه يدخل في العديد من الصناعات، فبحسب NDR الموقع الإلكتروني للمركز الألماني لشؤون المستهلكين، فإن 50 % من المواد الغذائية المصنعة تحتوي على زيت النخيل مثل الجبن، وصناعة الصابون، ومنتجات الشكولاتة، ليس هذا فقط بل تدخل مخلفات ثمار نخيل الزيت في صناعة الأعلاف لما تحتويه من قيمة غذائية مرتفعة، وهذا يساهم في تقليل فاتورة الإستيراد من الأعلاف، ويستخدم أيضًا في إنتاج مستحضرات التجميل والوقود الحيوي، مما يعني أن التوسع في زراعة نخيل الزيت قد يكون نواة لإنشاء العديد من الصناعات الغذائية الهامة في البلاد.
وأخيرًا وليس اخرًا، فلدي كل الحرص على تقديم حلول وأفكار غير تقليدية من خلال مقالاتي المتتابعة، للعمل على تنويع مصادر دخل البلاد، وزيادة الناتج القومي، وهذا ما تقوم به المملكة مؤخرًا بقيادة الملك سلمان ، وولي عهده محمد بن سلمان، حفظهما الله لشعب المملكة، فهما لا يدخران جهدًا، من أجل الدفع بهذا البلد نحو مصاف الدول المتقدمة في كافة المجالات.
الكاتب /
أ.د محمد احمد بصنوي