الخميس, 01 يونيو 2023 06:40 صباحًا 0 487 0
"أسرى الشاشة"

"أسرى الشاشة"


الكاتب / محمد منصور


التَّواصل البشَريِّ ضَرُورَة وُجودِيَّة لِإسْتمْرار الحيَاة الطَّبيعية فَبِه نَستطِيع أن نُمَارِس إِنْسانيَّتنَا بِالتَّلاقي بيْننَا ومشاهدة بعْضنَا البعْض ، وسماعنَا لِأحاديثنَا اليوْميَّة ، وبالتَّواصل نَتَعارَف ونتبادل المعارف والثَّقافات وننْقل الخبْرات فِيمَا بيْننَا . . 
إِلَّا أَنَّه طرأ نَوْع جديد مِن التَّواصل اللَّاحسي وَالذِي يَفتَقِد اَلحُضور الجسَديُّ وتنْعَدم فِيه الرُّوح اَلجلِية ، لََا سِيَّما أَنَّه أَصبَح طاغيًا على كُلِّ أَنوَاع التَّواصل مُتميِّزًا بِأنَّ ميادينه شَاسِعة ومتوزِّعة على مِنصَّات مُتَعددَة أَولُها التُّويْتر وليْس آخرهَا أَلفِيس مُرورًا بالْتوكْتوك والْإنْسْتغرام . . وَهذَا السَّيْل الجارف خَطْف المشْهد تمامًا وَجعَل مِنَّا أَسرَى لِتدفُّقه اَلذِي لََا يَنضُب ، فتحوُّلنَا إِلى مُدْمنِين حقيقيِّين لِبضاعته الرَّائجة ، هذَا التَّواصل نُسَميه بِالتَّواصل الإفْتراضيِّ وَالذِي قَد تَجاوَز حُدُودَه ، فَنتَج عَنْه سَلْب وَتفرِيغ التَّواصل الحقيقيِّ مِن مُحتوَاه ! ! فتشاهد اَلأُسرة الواحدة تَتَشارَك المكَان وَفِي نَفْس اللَّحْظة قُلُوب أفْرادهَا وأرْواحهم فِي ساحات أُخرَى ! ! بِسببه تَنصُّل الفرْد عن مسْؤوليَّاته المجْتمعيَّة والْأسريَّة والْعمليَّة ، فَهذَا العالم الإفْتراضيُّ أَخذنا إِلى مَفهُوم الفرْدانيَّة والْغرْبة ونحْن نعيش بَيْن النَّاس ! ! 
وعنْد تَفحُّص الأسْباب اَلتِي أوْصلتْنَا إِلى هذَا اَلْحال البائس ، فلَا مَنَاص مِن القوْل بِأنَّ الفرَاغ هُو أَولُها ، أَضِف إِلى ذَلِك أنَّ البعْض لَديهِم ضَعْف فِي البنْية النَّفْسيَّة وَالذِي يُصعُب التَّواصل الحقيقيُّ مع الآخر ، وأحْيانًا فَقْر البيئة المحيطة بِالْفَرْد عَامِل آخر مُسَاعِد إِضافة لِلتَّفَكُّك اَلأُسري والتَّجارب السَّيِّئة اَلتِي قد تَنتِج عن تَواصُل سَلبِي سَابِق ، كُلُّ هَذِه العوامل قد تَدفَع بِالْإنْسان لِلْعالم الإفْتراضيِّ اَلذِي يُقدِّم بَعْض المغْريات بِسَبب اِنخِفاض مُستَوَى الرِّقابة عليْه وتبعًا لِذَلك تَنخَفِض المسْؤوليَّة والْمحاسبة لِلْمدْمنين عليْه ، كَذلِك يُوفِّر مِساحة مَعقُولة جِدًّا مِن اَلحُرية وَالتِي غالبًا لََا تُقيِّد إِلَّا فِي أَضيَق نِطَاق خَاصَّة أنَّ أَغلَب المنْتمين لِهَذا العالم يَكتُب بِأسْمَاء وَهمِية ، وَفِي نَفْس السِّيَاق يَجِد اَلكثِير مِن هؤلاء المنْساقين لَه مجالا واسعًا فِي إِشبَاع رَغَبات ونزوَات قد يَصعُب اَلحُصول عليْهَا عَبْر التَّواصل الحقيقيِّ ! ! ! 
وإزاء ذَلِك حان الوقْتُ إِلى اَلْعَودة إِلى رُوح التَّواصل الحقيقيِّ اَلذِي يُغذِّي إِنْسانيَّتنَا بعيدًا عن حَيَاة مَا خَلَّف الشَّاشات البائسة ، وَهذَا لَن يَأتِي مَا بَيْن عَشيَّة وضحاهَا بل عَبْر اِتِّباع اسْترْتيجيات قد تُسَاعِد على ذَلِك كمحاولة إِخضَاع أَنفسِنا لِإخْتبار الإسْتغْناء عَنهَا ولو جُزْئِيا ، وَذلِك مِن فَترَة إِلى أُخرَى لِمدد مُتفاوتة تزيد كُلَّ مَرَّة حَتَّى نَعُود لِمرْحَلة التَّوازن الطَّبيعيَّة ، مُزاحِمون هذَا الفرَاغ بِممارسة التَّواصل الحقيقيِّ بدءاً بِالدَّوائر القريبة مِنَّا وَالتِي هِي الأحْوج لَنَا حَتَّى نَقتُل الوحْدة المولَّدة لِلْفرَاغ . . ذَلِك القاتل الصَّامتِ اَلذِي يَقتُل أَنبَل مَا فِينَا . . 
وخلاصة القوْل إِنَّ التَّواصل الإفْتراضيَّ هُو مِحكٌّ حَقيقِي لِإمْتحان قِيمنَا وأخْلاقنَا مِن خِلَال مَا يُبَثُ فِيه يوْميًّا مِن مُحْتوًى وَبثُوث لََا حَصْر لَهَا ، وَمِن الثَّابتِ أنَّ " السُّوشال مِيدْيَا " لَيْس خيْرًا خالصًا وليْس شرًّا خالصًا . . لَكنَّه يَبقَى السُّؤَال المطْروح لِلْجمِيع وَهُو هل نَحْن من يُسيْطِر على عَالمِنا الإفْتراضيِّ أم هُو من يُسيْطِر عليْنَا ؟

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر

محرر المحتوى

غاليه الحربي
المدير العام
المالكة ومدير عام ورئيس تحرير صحيفة شبكة الصحافة للنشر الالكتروني - مدير عام المنابر التعليمية والتربوية بالشبكة

شارك وارسل تعليق

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من إرسال تعليقك