من هو الإعلامي؟
هل هو الرجل الواقف أمام الكاميرا و الذي يلقي الأخبار من القطب الآخر من الكوكب و نراه على شاشة التلفاز؟هل هو الصحفي الذي يمسك قلمه و يبدأ الكتابة عما يحلو له،و يحاول دائماً أن يقترب إلى المواضيع الحساسة و الأخبار الخطيرة ليزيد صيته و ينتشر اسمه؟أم أن الإعلامي يتجاوز مفهوم نقل الأخبار –على الرغم أنها جزء كبير من عمله بل هي العمل كله-و التأليف و النشر دون حسيب أو رقيب؟ !
عندما تفتح اليوم شاشة جهازك و تقرر أن تتصفح الأخبار قليلاً فترى آلآف "الإعلاميين"على تويتر أو فيسبوك أو غيرها من المنصات ، هذا يتحدث عن تلك الحرب و يستغل معاناة المهجرين و يوثق مأساتهم لغرض أو لآخر و أبعد ما يكون هذا الغرض عن مساعدتهم ، وآخر أو أخرى تتحدث عن زواج الفنانة كذا و طلاقها ، وآخرون يحللون الوضع السياسي لدولة ما عربية أو أجنبية و يتنبئون بمستقبل هذا البلد و شعبه ، والكثير من الأخبار اليومية التي لا يسعنا المقال لذكرها و تعدادها هنا... هل هؤلاء هم الإعلاميون؟
بالطبع لا ! هؤلاء و كما أحب أن أسميهم "أبواق السوشيال ميديا"و لكي لا نظلم جميعهم فإن الغالبية منهم يخرجون على حساباتهم و منصاتهم و يطلون على متابعيهم بهيئة إعلاميين ينقلون خبراً ما ، لكن الكثير منهم في الحقيقة يبثون السموم و الأخطاء و الفتن ، تحدثنا كثيراً ربما عن هذا الموضوع لكن لخطورته و أهميته لا بد أن نذكر به و ننبه عليه باستمرار.
على كل حال... إذاً من هو الإعلامي في الحقيقة؟ !
في البداية و قبل كل شيء ، فإن جوهر الإعلام هو المصداقية و الحقيقة و الحيادية ، هذه العناصر الثلاثة إذا فُقد أحدها أو لم يحققه الإعلامي أثناء نشاطه فإن منظومته الإعلامية خاطئة ، و عليه أن يصوبها ، بعد الالتزام بهذه القيم الثلاث يحق للإعلامي أو الصحفي أن يُعبر عن رأيه لكن بشرط أن ينوه إلى رأيه في كلامه أو كتابته و يعرضه و يبين أنه رأيه الخاص الذي يحتمل الصحة و الخطأ ، وليس كما يجري اليوم حين يقوم الكثير من المتطفلين على الإعلام بنقل الخبر كاملاً من وجهة نظرهم الخاصة، مجرِّمين هذا و محرمين ذاك وفق أهوائهم .
منذ القدم كانت مهنة الإعلام عبر التاريخ مهنة حساسة و خطيرة وذات أثر كبير على الدولة و المجتمع ، لهذا وفي الحضارات القديمة كانوا يسلمون مهمة تبليغ الأخبار بين الأقطار لأهل الثقة و الكتمان و الأمانة ، لأن نقل خبر خاطئ او كاذب يمكن أن يسبب حرباً بين دولتين ، و حصل ذلك في التاريخ القديم بكثرة ، فما بالك اليوم حين أصبح الخبر يسافر عبر كوكب الأرض خلال أجزاء من الثانية !
التأهيل الأكاديمي أيضاً له دور كبير و مهم في إعداد الإعلاميين والصحفيين المهنيين والاحترافيين ، فلا يكفي وضع المقررات وقراءتها على الطلاب بشكل جامد و روتيني وكأنهم روبوتات عليها أن تحفظ منهج الإعلام أو وسائله أو غير ذلك ، بل عليهم أن يجربوا ، وأن يعملوا ، وأن يبحثوا عن المعلومات و الأخبار و يعدوا حولها التقارير بإشراف أستاذهم ، هذا الأستاذ الذي عليه أن يراقب اخطاءهم و عثراتهم و ينبههم عليها وأن يدرس طريقة صياغتهم و يزرع فيهم قيم المصداقية والحقيقة والابتعاد عن تحوير الخبر وفق وجهة النظر الخاصة.
برأيي أنه –وخاصة في عصرنا الحالي-يمثل الإعلام ضرورة بالغة وحاجة حيوية للشعوب ، ومع هذه الأهمية تأتي خطورة المهنة و حساسيتها وضرورة إعداد الإعلاميين و الصحفيين الذين سيمارسونها بدقة و اهتمام و احترافية ، والأهم... بمصداقية!
الكاتب : بندر محمود نواب
عضو صحيفة شبكة نادي الصحافة