مواقع التواصل الاجتماعي والهشاشة النفسية !
كثيرة هي المواقف التي تواجهنا في هذه الحياة وتحول أجيالنا القادمة إلى أدوات قابلة للانكسار. لقد تم تمييع كثير من المفاهيم عند الأجيال الحالية، ليصبح دون معنى وأصبح أي حدث أو عارض يحدث يندرج تحت هذا الإطار، حيث يتم تضخيم المشهد أو الألم البسيط حتى يصبح حادثاً مأسوياً. فهل هذا يعتبر إنذار لجيل قادم أكثر هشاشة وعرضة للانكسار والخيبة في مواجهة الأحداث؟
يوميا تعترضنا كثير من المشاكل وكل واحد منا يتعامل بشكل مختلف معها، لكن تضخيم تلك الأحداث والألم الناتج عن تلك الأحداث أو الصعوبات هو ما يميز جيلنا المعاصر وكأن الحياة تعاقبه لوحده دون غيره.
فهذه الحالة التي يكون فيها الإنسان الهش عند وقوعه في مشاكل الحياة المتنوعة تجعله يؤمن بأن ما حدث له هو أكبر من طاقته على التحمل فيشعر بالعجز الكلي عن مواجهة ومقاومة الصعوبات في حين أن المعاناة التي تصاحب كل مشكلة هي من صميم طبيعة هذه المشكلة وأن الأوصاف السلبية التي تصف بها المشكلة تزيد من تعقيد الأمور و تصعب من امكانيات تحملك أو قدرتك على تحمل الألم.
إن خطورة هذا التضخيم أنه ليس شيئا مواسياً يخفف عنك عبء تواجهه بل على العكس من ذلك فإن هذا التضخيم يجعلك تشعر بالتحطم الروحي و الإنهاك النفسي دون القدرة على الخروج من هذه الدوامة وتشعرك بالضياع وعدم القدرة على المواصلة فتنهار حياتك ، فتضخيم الألم يحطم نفسيتك ويجعلك تنهار بسبب استسلامك للألم.
يمكننا طرح تساؤلا أخر، من منا لم يتعرض لصدمات في حياته؟
بكل تأكيد لا أحد منا لم يمر بتجربة اشعرته بالحزن وفقد التوازن النفسي فما نختلف فيه هو القدرة على تدبير الصراع الطبيعي الذي نمر به جميعا والذي تكون استجابتنا وردود أفعالنا تجاهه مختلفة.
لكن من المؤكد في كل الأحوال أننا نعترف بأن تجربة الحياة هي تجربة الالم وتجربة الصعوبات بمختلف أنواعها ولعل أهم ما يعاني منه الإنسان المعاصر أو الجيل القابل للانكسار وصاحب هذه السهولة في التعامل مع الأشياء والهشاشة النفسية التي جعلت منهم كائنات دون معنى.
فما يجب أن يدركه الإنسان أن موضوع المواجهة والقدرة على تنمية الجانب الصحي النفسي غير مرتبط فقط بالزيارات والاستشارات للأطباء النفسيين أو مدربين التنمية النفسية لأن الحياة مليئة بالأخطاء ولا يمكننا الشعور بالسعادة دائما.
فمن المؤسف أن عالم اليوم يرى أن عدم الرضا والمشاكل التي تعترضنا في الحياة امراض يجب أن تعالج، والحقيقة أن إيديولوجية علم النفس اليوم تقرر أنك إذا فعلت شيئاً يخالف ذاتك فلن تصبح مريضاً نفسيا فحسب بل ستصبح شريرا أخلاقيا وعلى العالم أن يتخلص منك وهذا هو الوهم الذي توهم به كثيرون وجعله يزيد من مشاكلهم بدل من حلها، فالحياة مليئة بالمشاكل وبدل الهوس بالطب النفسي عليك العمل على مواجهتها بالطرق المتاحة أمامك.
ويمكننا تعريف الفراغ العاطفي بأنه الفجوة التي تظهر داخل النفس الإنسانية ويمثلها الاحتياج إلى وجود أحدهم بالجوار ولأن الجيل المعاصر تربى في احضان التكنولوجيا ومواقع التواصل الاجتماعي فالإحساس بالفراغ العاطفي حقق أرقاماً قياسية بالنسبة إليه لهذا يسعون إلى ملئ هذا الفراغ بطرق تزيد من سوء الوضع بدل حله فيبحثون عن إقامة علاقات ويلبسونها ثوب الحب من أجل إثارة مشاعر وهمية غير حقيقية.
ومن الفراغ العاطفي ينتقل المرء إلى مرحلة التعلق المرضى ومن بعدها إدمان العلاقات السامة ، ومن خلال بحثه الدائم عن الألم و الفراغ العاطفي يمكن أن ينتقل الإنسان أيضا إلى مستوى آخر أكثر خطورة وهو الفراغ الوجودي وهو شعور يلازم الشخص الهش نفسيا فلا يرى فائدة أو جدوى من بقائه حيا و ينتابه الشعور بالإغتراب عن واقعه ومجتمعه، فالفراغ العاطفي يحطم نفسية الإنسان ويجعلها قابلة للإنكسار.
فحينما بدأ الناس يتوجهون إلى وسائل التواصل الاجتماعي ومحركات البحث من أجل حل مشاكلهم بضغطة زر تحول الإنسان إلى كائن هش يعتقد ويؤمن بأن طبيعة الحياة ومشاكلها تحل داخل فضاء افتراضي يعبر عن وهم وتكسير قدرة الإنسان و تثبيط عزيمته، فلعل ما تقدمه لنا هذه التكنولوجيا أنها تجعلنا أكثر عرضة للإنكسارات والهشاشة النفسية وايضا تعرضنا لكثير من الأشياء أهمها تعزيز النرجسية ، تقديس الغير ، فقدان التركيز ، و الخلل في معايير النجاح.
ولمعرفة خطورة ما سبق تقديمه يمكننا أن نقول إنه في هذه المواقع الكل يدور في فلك الأنا وليس أي شيء أخر، فمواقع التواصل الإجتماعي هي الشر الذي أصاب مجتمعاتنا بالهشاشة النفسية.
الكاتب / طارق محمود نواب
اعلامي بشبكة نادي الصحافة الالكترونية
عضو جمعية اعلاميون
عضو هيئة الصحفيين السعوديين