لماذا التنمر؟!
لا بد أن أي أحد منا قد واجه في حياته متنمراً ما، في المدرسة أو الجامعة أو حتى في مكان العمل، حيث أن هذا السلوك لا يعرف عمراً و لا يميز بيئةً، إلا أن التنمر أصعب ما يكون و أشد ما تكون آثاره قسوةً على الطفل في مرحلة الطفولة و المدرسة، بالفعل هناك الكثير من الناس عاشوا حياة لا تطاق في طفولتهم بسبب المتنمرين، سواء على شكلهم أو لونهم او عرقهم أو غير ذلك، يمكن القول بأن المتنمر يبحث بجهد عن أي صفة في من حوله يمكن ان يحولها الى مادة سخرية و تنمر، حتى التفوق الدراسي! يمكن أن يكون سبباً في التنمر!
سأتحدث في البداية عن مرحلة المدرسة باعتبار أن الطفولة و المراهقة هي المرحلة الأهم في حياة الفرد نفسياً و فيزيولوجياً و على جميع الأصعدة، الصورة النمطية للمتنمر هي أنه طالب أضخم جسداً و أشد قسوةً، متمرد ثائر على النظام المدرسي و الإدارة، لا يملك احتراماً لمعلميه و مديره و إن كان فهو احترام مزيف كي يتجنب الوقوع في العقاب، هذه هي الصورة النموذجية للمتنمر لكن هناك الكثير منهم قد يكونون غير ذلك و لا يوحي شكلهم الخارجي بأنهم من الممكن أن يؤذوا من حولهم، أما في مراحل الحياة اللاحقة فتتنوع صفات المتنمرين بشكل كبير و لست هنا بصدد تعدادها.
ما الذي يجعل المتنمر متنمراً؟! أو ما الذي من الممكن أن يحول طفلاً بريئاً إلى مراهق متنمر و مؤذٍ؟! نعلم أن الإنسان هو كائن اجتماعي سلوكي، أي أنه يتعلم من محيطه بشكل كبير، فليس هناك متنمر خلق بهذا الطبع، بل ما يجري حوله جعله يعتمد سلوكاً تنمرياً متمرداً لتحقيق أهداف معينة مختلفة.
في حقيقة الأمر، إذا درسنا أي متنمر و تعمقنا في خلفياته العائلية و النفسية و الاجتماعية، سنجد أن لعائلته دائماً يد في الموضوع، دائماً هناك شيء غير طبيعي في العائلة، أبوان منفصلان أو متحاربان، مشاكل عائلية، فقد أحد الوالدين، إفساد بالدلال الزائد للطفل، و تتنوع الحالات و الاحتمالات، بالحقيقة يمكن و بكل عدل أن نرد كل تصرف إنساني إلى العائلة، لأن الأسرة هي التي تنشئ الطفل و تربيه و تكسبه قيمه و عاداته و سلوكياته، فلا أعتقد ان أسرة مثقفة متحابة هادئة مهتمة بأطفالها من الممكن أن تنجب متنمراً، غالباً هناك مشكلة عائلية، و إن لم يكن هناك مشكلة في العائلة فإن الطفل قد تربى بعيداً عن والديه و دون مراقبة منهما لتصرفاته أو ضعف مسئولية و توجيه للطفل.
من وجهة نظر علم النفس، يعرف التنمر على انه سلوك إنساني عدائي و مؤذ يمارسه الفرد على من حوله، و رغم الاتفاق على التعريف، إلا أن هناك تبايناً كبيراً بين المحللين و العلماء حول أسباب و دوافع التنمر، و تعددت النظريات النفسية، فمنهم من يرى أن التنمر هو سلوك متعلم، يرى الطفل حوله أن الأقوياء أو المتمردون يحصلون على ما يريدوه فيحول نفسه الى ذلك، أيضاً قد يرى الطفل أنه عندما يؤذي من حوله يحصل على ما يريد، فيتبنى هذا السلوك و يمارسه حتى يصبح جزءاً من شخصيته، و هنا بالطبع تقع المسئولية على الوالدين اللذان يعطيان الطفل ما يريد خوفاً من أذيته لغيره، فينمون هذا السلوك لديه، آخرون رأوا ان التنمر ما هو إلا تعبير عن كوامن النفس لكن بصورة خاطئة، كطفل انفصل والداه و أصابه ذلك بالحزن و الانكسار الكبير، و ليس هناك متنفس له في العائلة أو لا يستطيع التعبير عن مشاعره و حزنه و غضبه، فيتجه لتفريغ الغضب على رفاقه في المدرسة، وفي النهاية يصبح متنمراً.
بغض النظر ان كان المتنمر أصبح كذلك بسببه أم بسبب عائلته، يبقى هذا السلوك خاطئاً و على المجتمع محاربته و التخلص منه، فالكثير من الناس عانوا في حياتهم و أصبح لديهم رهاب و عقد نفسية من انفسهم بسبب متنمر ما في باحة المدرسة، أن تتعرض للتنمر بسبب شكلك او جنسك أو لونك او أي شيء ليس لك دخل به و مفروض عليك دون إرادتك هو شيء قاس و مؤذٍ بشدة، أعتقد أن الحل يجب أن يبدأ بالأسرة و البيت، بمعاقبة السلوك الخاطئ، و تشجيع السلوك الصحيح و تعزيزه.
الكاتب: بندر محمود نواب
عضو صحيفة شبكة نادي الصحافة
عضو جمعية هيئة الصحفيين السعوديين
عضو جمعية إعلاميون
تويتر: bandernawab