( لوكاكو ) ومباراته الحاسمة مع الحياة ..!!
الكاتب /احمد سليمان النجار
جدة / صحيفة شبكة نادي الصحافة السعودي
يحكي ( روميلو لوكاكو ) لاعب مانشستر يونايتد والمنتخب البلجيكي قصته المؤثرة فيقول : كنا معدمين لسنا فقط فقراء ، أتذكر تمامًا تلك اللحظة التي علمت فيها أننا محطّمين ،
لا زال بإمكاني تذكّر أمي أمام باب الثلاجة وتلك النظرة في عينيها ، كنت في السادسة وعدت لأتناول الغداء أثناء استراحة المدرسة، أمي كانت تضع نفس الطعام كل يوم ، خبز وحليب ، الشيء الوحيد الذي بإمكاننا تحمل تكلفته ، يومها شاهدت أمي أمام الثلاجة وبيدها حليب كالعادة وبيدها شيء تخلطه معه ، أحضرت لي وجبتي وكانت تبتسم وكأن كل شيء على ما يرام لكني أدركت ما الذي يجري ، كانت تخلط الماء بالحليب ، لم يكن الحليب يكفينا لآخر الأسبوع ، كنّا معدمين، لسنا فقراء، بل معدمين ..!!
والدي كان لاعب محترف ، لكنه كان في نهاية مسيرته ، والأموال نفذت ، وأول شيء قام ببيعه هو التلفاز ، أي لامزيد من كرة القدم ..!!
بعد ذلك تطوّرت الأمور ، أعود للبيت ولا أضواء ، لا كهرباء لمدة أسبوعين ..!!
أذهب للحمام ، لا ماء ساخن ، كانت أمي تقوم بوضع الماء في غلاية وتسخنه لي، ثم تسكبه على رأسي ، لقد مرّت أيام ، اضطرت أمي فيها لأن تقترض الخبز من المخبز ، كل الفرّانين عرفوني أنا وأخي ، كانوا يسمحوا لها بأخذ رغيف من الخبز يوم الاثنين وتسدد ثمنه يوم الجمعة ، كنت أعرف أننا نعاني ، لكن لدرجة أن نخلط الحليب بالماء ..!!
هنا كل شيء انتهى ، تلك كانت حياتنا ..!!
يومها لم أقل لها كلمة واحدة ، لم أرغب بأن أثقل كاهلها ، فما تمر به يكفيها ، أكلت وجبتي ، ثم أقسمت لله، وعدت نفسي ، كأن أحدهم غرس أصابعه بداخلي ليوقظني، هذه الحياة يجب أن تتغير ..، لا يمكنني تحمّل رؤية والدتي بهذه الحالة، لا يمكنني ذلك .. كان الناس في كرة القدم يتحدثون كثيرًا عن القوة الذهنية ، حسنًا ، أنا أقوى شاب قد تقابله في حياتك من هذه الناحية ، لأنني كنت أجلس أنا وأمي وأخي الصغير في الظلام، ندعوا لله، نصلي، نفكر، نؤمن، نعلم أن كل شيء سيتغير عاجلًا أم آجلًا ..
احتفظت بوعودي لنفسي ، لكني كنت أعود من المدرسة أحيانًا، أرى أمي تبكي ..!!
قلت لها أخيرًا : أمي ، هذه الظروف ستتغير ، سترين ذلك ، سألعب في أندرلخت ، سنكون بخير ، ليس عليكِ أن تقلقي بعد اليوم .. كل مباراة لعبتها كانت أشبه بنهائي ، حتى عندما ألعب في الحديقة أو في الشوارع ، كنت أعتبرها نهائيات ، كنت في السادسة من عمري في ذلك الوقت ، عندما بدأت أطول ، المعلمون وآباء زملائي بدأوا بضغطي وارباكي، لن أنسى المرة الأولى التي قال لي فيها أحد الكبار : مهلًا، كم عمرك ؟!!
عندما أصبحت في الـ11 من عمري، كنت ألعب في أحد فرق الشباب، ووالد أحد لاعبي الفريق الخصم حاول منعي من دخول الملعب، قال : كم عمر هذا الطفل ؟ أين هويته ؟ من أي بلد؟ والدي لم يكن هناك يومها، لم يكن يملك سيارة كي يقوم بإيصالي لمبارياتنا خارج الأرض، كنت وحيداً، وكان علي أن أدافع عن نفسي، أتيت ببطاقتي من الحقيبة وأظهرتها لجميع الآباء الحاضرين، ومرروها على أنفسهم ، أردت أن أصبح أفضل لاعب في تاريخ بلجيكا ، كنت ألعب بغضب وشراسة ، لأسباب عديدة، بسبب الفئران في منزلي، بسبب والدتي، بسبب عدم قدرتي على مشاهدة دوري الأبطال، بسبب نظرة الآباء الآخرين لي ، عندما كنت في سن الـ12، سجلت 76 هدف في 34 مباراة ، سجلت جميع تلك الأهداف وأنا أرتدي حذاء والدي، أرتدي حذاءه وأنا في سن الـ12، حسنًا، كنّا نتشارك الأحذية ..!!
في أحد الأيام هاتفت جدّي والد أمي، من الكونغو، أخبرته أني أبلي جيدًا، سجلت 76 هدف والأندية الكبيرة تنظر إلي، كان يحب سماع أحاديثي عن كرة القدم وماذا أفعل ، جدي قاطعني فجأة وقال : هل يمكنك أن تسدي لي معروفاً ؟ قلت له :؟ بالطبع، ما هو؟ - هل يمكنك أن تعتني بإبنتي؟ -هل تقصد أمي ؟ نعم بالطبع، نحن بخير .. - لا، عدني أنك ستعتني بها، عدني بذلك لأجلي .. - حسنًا، أعدك بعدها بـ5 أيام، توفيّ جدي، وقتها عرفت لماذا أخبرني بأن أعتني بأمي ، أشعر بالحزن كلّما فكرت بذلك ، أتمنى لو أنه عاش 4 سنوات أخرى ، كي يراني ألعب لأندرلخت ، ليرى أني أفي بوعدي ، هل تعلم ؟ كل شيء سيكون بخير يا جدي ..
على أيّة حال ، هل تعلم ما هو المضحك ؟ أضعت 10 سنوات من عمري دون أن أشاهد دوري الأبطال ، لم يكن بإمكاننا تحمل نفقات التلفاز في 2002، في المدرسة، الطلاب يتحدثون عن نهائي دوري الأبطال، تلك التسديدة من زيدان، أي تسديدة؟ لا أعلم، لكن كان علي أن أتظاهر بأني شاهدت اللقاء كما هم شاهدوه ..!!
هل تعلم متى شاهدت الهدف؟ بعد ذلك بـ3 أسابيع، كنا في قاعة الحاسوب بالمدرسة، وأحد الطلاب قام بتحميل فيديو لهدف زيدان ..، في صغري لم يكن بإمكاني مشاهدة تيري هنري حتى على التلفاز، الآن أنا بجانبه في كأس العالم وأتعلم منه كل يوم ، في 2002، حذائي كان مليئًا بالثقوب، بعد 12 سنة شاركت في كأس العالم، والآن سأشارك مرةً أخرى ، حقًا ، أنا فقط أتمنى لو أن جدّي لا زال على قيد الحياة، لا دوري أبطال، لا مانشستر يونايتد، لا كاس عالم، لا أريد أن أريه شيئًا من هذا، أريد فقط أن أريه الحياة التي نحظى بها الآن، أتمنى لو أن بإمكاني أن أحظى بمكالمة أخرى معه، ليرى فقط ما نحن به ، هل ترى يا جدي؟ أخبرتك أن ابنتك ستكون بخير، لا مزيد من الفئران بالبيت، لا مزيد من النوم بجانب الشباك، لا مزيد من التوتر، نحن بخير الآن، بخير ، جدي، هم الآن ليسوا بحاجة لأن يتفحصوا بطاقتي، هم يعرفون اسمي ( لوكاكو ) بمجرد النظر إلي ..!!
أحمد سليمان النجار / مستشار أسري وتربوي معتمد
00966503646216 3h_live@