هل يُصلِحُ الشريانُ ماأفسَدَ الدَهرُ ؟!!
الكاتب / احمد سليمان النجار
جدة / صحيفة شبكة نادي الصحافة السعودي
لم أقتنع كثيراً بمقولة ( ستيف جوبز ) التي صرحَ فيها بأن العديد من الأخطاء تقع أثناء محاولة إحداث التجديد , وأنه من الأفضل الاعتراف بالخطأ والبحث عن مجالات أخرى ..!!
صحيح أن كثيراً من الأمور التي قاتلتُ من أجل تغييرها - وعلى رأسها نفسي - كانت دائماً تُراهن على إثبات صحة مقولة ( ستيف ) السابقة , وكثيراً ماكانت تفوزُ بالرهان ..!!
ولكني - وعلى الرغم من ذلك - لم أرفع رايتي البيضاء قط في أمام تغيير أردته , فإما أن أنجحَ فيه وإما أن أتركه وأبدأ في خطٍ موازٍ له , ببناء جديد على أرضٍ جديدة واستراتيجيات جديدة , ثم مايلبث البناء القديم أن يغدو مهجوراً , ثم يصبحُ نسياً منسياً ..!!
ولعل إيماني بهذه الفلسفة هو ماجعلني لاأشعرُ بالرضا عن الطريقة التي تم فيها الإعلان عن قناة ال SBC الجديدة ..!!
فأنا - وبلا فخر - من الجيل الذي أطلق مصطلح ( غصب 1 ) على القناة الأولى , ثم ( غصب 2 ) على القناة الثانية , وذلك لأننا – وقبل أن يبدأ البث الفضائي – كُنا بين خيارين لاثالث له – عند معظم الجيل – إما التلفزيون السعودي بكل مافيه من ملاحظات وسلبيات وتكرار , أو ( أريل ) مصر ..!!
وعلى الرغم مما كُنا نتعرض له أمام ( غصب 1 ) إلا أنني كتبتُ في زاويتي التي كنتُ أكتبُ فيها مقالاً اسمه ( التلفزيون السعودي ) امتدحتُ فيه الجهد الجبار الذي قام به التلفزيون السعودي في ظل وجود موانع كثيرة وتحديات صعبة للغاية , ومحافظته – مع ذلك – على المنهج المحافظ في العرض ..!!
ولكن هذا لايعني أن ( الغصب ) لم تكن تعجُ بالسلبيات ..!!,
وتكشفت هذه السلبيات عندما بات البابُ مفتوحاً على مصراعيه للمشاهدين لمتابعة خيارات عديدة على ( الدش ) , فتهاوى كل شيء أو كاد ..!!
وبدأت الأصوات تعلو بشدة منتقدة ومهاجمة , وأذكر حديثاً كان منسوباً للفنان فائز المالكي حينها ولاأعلم مامدى صحة ذلك , انتشر تقريباً في 2007 في المنتديات على ( الإنترنت ) , هاجم فيه صاحب هذا الحديث هيئة الإذاعة والتلفزيون هجوماً قوياً غاضباً , متهماً إياها بالفساد والمحسوبية , والذي أدى إلى سقوط القناة الأولى وتهالكها ..!!
كل هذا - بالإضافة إلى فلسفتي التي ذكرتها سابقاً - جعلني لاأشعرُ بالرضا عند أول وهلة شاهدت فيها كلمة ( غصب ) تملأ الشوارع ..!!
وخطرَ على بالي ( قناة غصب ) ولكني لم أتابع الأمر , وقلت لعله إعلان من الإعلانات التي نشاهدها كل يوم عن منتج جديد ..!!
وعندما بدأت الرؤية تتضح , وبدأ الإعلان عن تحويل القناة الثقافية إلى SBC , تذكرتُ مقولة ( ستيف جوبز ) وقلت في نفسي ليتهم لم يفعلوا ذلك , ليتهم أسسوا خطاً موازياً جديداً عن قناة سعودية جديدة تُعبرُ عن الرؤية والتغيير الرائع الذي تمر به البلاد , دون الدخول في تحدٍ لاطائل من ورائه مع مشاعر سلبية لجيل محدود من المجتمع , ولاتعي الأجيال الجديدة مايعني لك , والدخول في صراع ضخم جداً مع الزخم الذي تركته ( غصب ) على مشاهديها , فأنت الآن – ومهما فعلت – ستظلُ - عند العدد المحدود - ذاك ( الغصب ) الذي لن يتغيير كثيراً ..!! ومع تحفظي الشديد – وهذا رأي وذوق شخصي – على التصميم الذي رأيته بسيطاً للغاية وليس فيه أي تطور وإبداع وتقنية رقمية حديثة ، ولم يعبر عن الأهداف العظيمة للقناة ولا عن عبارة ( المستقبل قادم ) التي تبنتها القناة ..!!
ولكن ذلك يظل ذوق شخصي ولايجب التوقف عنده ..!! كما أن بعض من شاهدتهم من شخصيات فنية – مع فائق احترامي وتقديري لهم – ووضعوا كمفاجأت للذي ستقدمه هذه القناة , زاد من عدم ارتياحي , فماذا لدى الأساتذة عبدالله السدحان وراشد الشمراني وحسن عسيري وفائز المالكي ليقدموه ؟!!
ومع احترامي لتاريخهم الفني , إلا أني أظنهم قد باتوا خارج المنافسة الآن ولايمكن المراهنة عليهم , ولكن لعل ماسيقدموه سيرضي شريحة معينة من المشاهدين ويجذبهم , وأعود للقول أن هذا رأي وذوق شخصي ..!!
وحدها ثقتي بقدرات وخبرة الأستاذ داود الشريان الجبارة هي ماسيبدد عدم ارتياحي , فلا أظن رجلاً قيادياً ذكياً يتكيء على خبرة قوية كالأستاذ داود سيفوته , أن التحدي ضخم جداً من أربع جهات : الأولى : زخم ( غصب ) الذي وضعت القناة الجديدة نفسها فيه ..!!
الثانية : كثرة الخيارات وقوتها وتطورها وقطعها شوطاً طويلاً جداً في التعامل مع المشاهدين .. الثالثة : مزاحمة وسائل التواصل الحديثة والأجهزة الذكية للتلفزيون وسحبها البساط من تحت قدميه إلى حدٍ بعيد .. الرابعة : جيل جديد قوي منفتح مُطلع مُثقف متمرد لايجامل ولايداهن ولايرضيه أي شيء ( ولاحتى باص مناحي ) ..!!
ولاأظنه سيفوته أن الأمر ليس في شراء مسلسلات حتى ولو حصرية , ولابرامج مُكلفة , ولا أغاني جديدة , فكل ماستقدمه القناة موجود في القنوات الأخرى , بل إن هناك قنوات متخصصة لبعض البرامج , كالطبخ مثلاً ..!!
الأستاذ داود يعلم جيداً بحكم خبرته وقدرته وتمكنه أنه لابد من إصلاح الأمور داخل الهيئة نفسها , ولايكون ذلك إلا بداية بإعادة المكانة المستحقة للموجودين فيها , والذين يملكون قدرات مذهلة وجبارة ولامثيل لها , ولكنهم لم يعطوا فرصتهم كاملة , ولم يجدوا التقدير المناسب لهم , ثم بتطعيم القناة بعقليات وقدرات من خارج الهيئة تملك أن تكسب التحدي .. وأن النجاح لابد أن يأتي عبر معادلة صعبة ومعقدة للغاية لتقديم مايرضي كل فئة من فئات المجتمع ذكوراً وإناثاً حسب عقلياتهم وسنهم وثقافتهم , كل هذا مع الحفاظ على الخط المحافظ – وليس المتزمت – الذي يمتاز به مجتمعنا المحافظ .. فكما يجب الاستعانة بمن له أسبقية في هذا المجال , فلا بد من الاستعانة بالشباب , وكما لابد من تقديم برامج تُناسب المُسن الذي يقبع خلف التلفاز قبل صلاة العشاء منتظراً الصلاة لينام , وللشباب العبقري التقني المُنفتح المُذهل , وللطبقة التي تقع بين هاتنين الطبقتين ..!!
والوصفة السحرية الذي ستجعل القناة تصل إلى الخليجية والعربية والعالمية , مكونة من عنصر واحد , يعرفه الأستاذ داود جيداً وجرب نجاحه في برنامجه الشهير ( الثامنة ) ..، القناة لابد أن يكون لها سقف عالٍ جداً من الجراءة والشفافية والطرح القوي , وأن تُناقش أموراً لايجرؤ أحدٌ على نقاشها , وأن تفتح ملفاتٍ لايجسرُ أحدٌ على فتحها , وأن تدخل إلى أماكن لم يدخلها أحدٌ قط , وأن تكون – فعلاً – العين التي تحرس الرؤية 2030 , والصوت الحقيقي للمواطنين , والهاجس الذي يقض مضجع كثيرٍ من المسؤولين ..!!
وإن كنت لم أتفق مع ( ستيف ) في مقولته السابقة , إلا أني مؤمن بأن جزءاً كبيراً من النجاح يكمن في المقولة التي قالها : ساعد وحمس الأشخاص الذين يريدون أن يفعلوا شي مميز في الحياة ..، ويظل في ظني – ولعلي أكون على خطأ –
أن قناة ال SBC إن لم تفعل ذلك بحرفية عالية وإصرار قوي , فإنها لن تستطيع أن تجذب أو حتى ( تغصب ) الناس على مشاهدتها , ( فالريموت ) لايزال في أيديهم ..!!!