متعة الحياة

سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر

متعة الحياة

بقلم الدكتورة / سحر محمد محمد علي *

أخبرتها بحماسة عن تخفيضات متجرها المفضل، لكنها أعادت على مسمعي جملتها التي حفظتها جيداً : “تعلمين أنني أحاول عدم شراء شيء لمنزلي الحالي كونه مؤقت”.
يبدو كلامها منطقياً لكنه من غير المنطقي أن عمر منزلها المؤقت اثنى عشرة عاماً !

تذكرتُ قريبتي الصغيرة حين اشترى لها والدها دراجة و رفضت استخدامها بحجة أنها جديدة لا تريد افسادها، وظلّت تستخدم القديمة بالرغم من كل مشاكلها و وقوعها المتكرر منها.

مثل هذا التفكير يدفع بالأشخاص الى تأجيل الاستمتاع بالحياة انتظاراً للحظة مثالية موجودة فقط داخل رؤوسهم.

إنهم يتصوّرون أن الحياة ستطرق بابهم يوماً وفي يديها كل الأحلام التي أرادوا تحقيقها وستقول مبتسمة “يمكنكم الآن الاستمتاع بحياتكم، شكراً لانتظاركم”.

لا وجود للحظة مثالية كهذه، حتى وان وجدت فإنها في الغالب ستمرّ كما مرّ غيرها انتظاراً لشيئ أعظم منها. كثيراً ما نتذكر أوقاتاً مرّت و نتفاجأ كيف أنها كانت رائعة دون أن ننتبه لذلك وقتها.

كلنا نتخيّل أن أمراً ما ينقصنا الآن، لكن هذا الأمر سيظلّ ناقصاً للأبد لأن قائمة أحلامنا تتجددّ كلما حققنا واحداً منها.

الفتاة التي تعتقد أنها ستتنهّد بارتياح حين تتزوج، ستفكّر في حلم انجاب طفل حالما تفعل. وحين يصبح طفلها بين يديها، ستريد أن تراه عريساً ثم ترغب في رؤيه ابناءه.

الرجل الذي يحلم بوظيفة تضمن له استقراراً و أماناً، ستشغل تفكيره الترقيات والعلاوات ومواعيد الإجازات حين يحصل عليها. بل إنه في مرحلة متقدّمة سيبدأ بالتفكير في حلم التقاعد والهدوء والاسترخاء من العمل الذي لطالما أراده.

النظر لأبعد مما لدينا هو الوقود الذي يحرك بني البشر للتقدّم والاستمرار. لكنه يجب ألاّ يحرمهم من بدء حياتهم والعيش فيها والاستمتاع بما يملكون.

البعض يولد و يموت دون أن يعيش حقاً.
يفني عمره مابين ادّخار و انتظار و رفض للراحة لأنه يعتقد أن هناك لحظة سرمدية سيكون كل شيئ فيها مثالياً و تتوقف فيها الأرض عن الدوران لأجل أن يستمتع هو !

احصل على ماتريد في منزلك حتى وان كان مؤقتاً، فإن المال الذي ستنفقه هو ثمنٌ بخس لقاء سعادتك حتى وان كان عمرها يوم واحد فقط.

العب مع طفلك الصغير و مارس أبوتك لأقصى درجة دون أن تنتظر أن يكبر قليلاً و يكفّ عن البكاء؛ فإنه حين يكفّ عن ذلك سيبدأ همّ دخوله المدرسة و أمور أخرى لا تشبه لذة الوصول التي تخيلتها.

العُمر لا يبدأ من تاريخ ولادتك بل من حيث قررت أن تجلس على الأرض كالأطفال و تضع ما تملك أمامك مستمتعاً به و مستخدماً اياه لمنفعتك وسعادتك.

ابدأ حياتك الآن فقد لا يسعفك الوقت ولا الظروف لبدأها لاحقاً

 

* أستاذ مشارك جامعة أم القرى – كلية التمريض


مرام محمد مرام محمد
محرر وناشر

محررة وناشرة للاخبار

0  646 0

الكلمات الدلالية

آخر المعجبين بالخبر

التعليقات


اكتب تعليقك هنا

اخبار مشابهة

اخبار مقترحة