قواعد الدنيا .

سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر

قواعد الدنيا .


قد نعتقد أننا نسير بثبات على طريق معين، ولكن في الحقيقة، نحن نعبر أفق الحياة بخطى غير مدركة للدروب الخفية التي تتحكم فيها قدرة أكبر من أننا ندركها. فما خفي أعظم وأعمق مما نراه، وما واكبته هذه الدنيا من أسرار وتجارب، تجعلنا في حيرة دائمة، نبحث عن معنى لأحداثنا ومساراتنا، ونتساءل عن هدف وجودنا في هذا الكون الشاسع،
ففي تلك القواعد الخفية للحياة، نجد أنفسنا نتعلم دروساً جديدة يوماً بعد يوم ، ونفهم أن كل تجربة وكل لحظة تمر علينا لها معنى وغاية معينة، وربما تكون هذه الغاية أعمق مما نستطيع تصوره داخل عقولنا المحدودة.
ومن الألغاز التي عجز الإنسان على حلها إلى الآن، هي تلك الأشياء التي تبتعد عنك بقدر حاجتك لها، وتقترب منك بقدر زهدك منها. فالأشياء لا تجلبها لنا الرغبة الملحة فحسب، بل يحكمها أيضاً توازن رقيق بين الحاجة والإكتفاء، بين الإقبال والتنازل.
فعندما نرغب لشيء ما بشدة، يبدأ ذلك الشيء في الإبتعاد تدريجياً... إلى أن يتباعد عنا كما تبتعد النجوم عنا في السماء، وكأنه يرفض لمس أطراف أحلامنا. وذلك لأن الحاجة الشديدة هي ما تجعلنا في حالة من الإستسلام لعجزنا، حيث تتبدد الأماني وتتلاشى الآمال في زحمة الرغبة.
ولكن، عندما تزهد في طلب شيء، يصبح لديك القدرة على الإكتفاء بما تملك، وحينها تبدأ كل تلك الأشياء في الإقتراب منك كما لو أن العالم يُحَرِّكُ خيوطه الخفية ليقدم لك كل ما تحتاجه.
وفي ذلك يظهر التوازن المعقد بين الحاجة والزهد، وتتجسد إحدى أهم قواعد الحياة، حيث يتجلى جمالها في تلاقي الرغبة بالإكتفاء، وتوازن الحاجة بالرضا. فإذا أردنا أن نتقدم في رحلتنا، فليكن عنواننا الإكتفاء بالقليل، والتقدير للمزيد، فقط حينها سنجد العالم يطوف حولنا، والأشياء تتسلل إلينا بلا مقدمات.
ومن قواعد الحياة الأكثر أهمية أن حب الناس لك يأتي بقدر ما لا تحتاج لهم وبقدر ما لا تطلب منهم ولا تلح عليهم في السؤال وبقدر زهدك فيما لهم ،  وينفضوا من حولك كلما زادت طلباتك و كثرت اتصالاتك... لذا، فلتكن على يقينٍ دائم بأن طموحاتهم لن تكون إلا في النيل من زهو نفسك فالأرواح تنجذب لذلك النادر الذي يحتضن العزلة بسلام ويبني جدران الحب بأسسٍ صلبة تتجاوز الإنتظارات البشرية العابرة، كما تنجذب بمزاجها نحو حياة الهدوء والإنفتاح.
ومن القواعد الأخرى، هي احترام الناس لك كلما زاد صمتك، و انصاتك و هدوءك و كثرت خدماتك لهم بلا مقابل، لكن لا يحترمونك كلما زاد تذمرك  وشكاويك من الدنيا وما فيها، و اغتيابك لسيرة الناس، و نقدك لهم  وسخريتك على كل موقف تراه... فالإحترام ليس مجرد كلمة، بل هو لغة تنطقها أفعالك، وفي صمتك تأكيد على تلك الأفعال بالحكمة والتأمل، وفي انصاتك تأكيد على رفعة قدرك. فالصمت أحيانا يكون اقوى بياناً من الكلمات.
وإلى جانب ذلك يجب أن نتعلم فن الإستسلام أحياناً... وأنا بالطبع لا أقصد الإستسلام والإنهزامية، لكن كل ما أريد أن أصل له هو إتباع ذلك الإستسلام الجميل للفقدان، فأحيانا نفقد اشياء كنا نطمح للوصول إليها لكن فقدانها في هذه اللحظة تحديداً ما هو إلا جزء من خطة أكبر تهدف إلى توجيهنا نحو الأفضل، أو ربما هو فرصة لنكتشف مسارات جديدة في رحلتنا.
وأخيراً يركض إليك الرزق كلما اجتهدت بأمانة و كفاءة وأنت لا تفكر فيه ولا تنتظره، و يهرب منك ويُذلك ويشقيك كلما فكرت فيه وركضت خلفه وعشت طوال حياتك من أجله.
فالحياة قواعدها كثيرة وكل ما علينا فقط أن نفهم إنها مفارقة لا نفهمها إلا بتجاربنا فيها.


الكاتب / طارق محمود نواب
صحيفة شبكة نادي الصحافة الالكترونية


غاليه الحربي غاليه الحربي
المدير العام

المالكة ومدير عام ورئيس تحرير صحيفة شبكة الصحافة للنشر الالكتروني - مدير عام المنابر التعليمية والتربوية بالشبكة

0  120 0

الكلمات الدلالية

آخر المعجبين بالخبر

التعليقات


اكتب تعليقك هنا

اخبار مشابهة

اخبار مقترحة