شبكة نادي الصحافة السعودي - لبنان
اتّسمت حالة من المد الثوري بين جماهير شعبنا الفلسطيني في لبنان لاكثر من ستة عقود ؛ كانت بداياتها ارهاصات تحويل النظريات الثورية الى تطبيقات عملانية ميدانية متنوعة الوسائل لتخدم الهدف والاسلوب .
و امتدت تلك الحالة لفترة كبيرة و مهمة من التناغم الثوري النظري والعملي لاعوام تخللتها تحديات جماهيرية فلسطينية وعربية متصدية لمشاريع تصفية القضية الفلسطينية بقرار امبريالي عالمي وبتوافق مع الانظمة العربية الرجعية وبتواطؤ من قبل انظمة كانت تعتبر انفسها داعمة وحاضنة للمشروع الوطني الفلسطيني.
وكانت قد اسست هيئة الامم المتحدة ومنثم الجامعة العربية وبعدهما مجموعة عدم الانحياز و منظمة الدول الاسلامية ؛ وما بينهما من منظومات اشتراكية وتقدمية متنوعة ومتعددة لتواكب مراحل التطور الثوري والنضالي للشعوب التي كانت تقع تحت احتلال ومن بينها شعبنا العربي الفلسطيني.
و قد تعرضت القضية الفلسطينية لهجمات تدميرية ولسقطات مخيفة ؛ ومن بينها الحرب على منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني ؛ حيث كانت هناك محاولات لانهائها بعد مجازر الاردن عام ١٩٧٠ وابان مجازر لبنان عام ١٩٧٦ مرورا و وصولا لمجازر الصهاينة منذ ما بعد حرب الايام الستة الى اخر حرب ضد الاطفال والنساء والشيوخ والشباب الا وهي حرب الغارات الجوية على غزة وبدعم عربي امريكي لترهيب شعبنا والتهويل على كل مرجعياته و للضغط على كل قطاعات جماهير الشعب الفلسطيني كي تلجأ الى الهجرة و الى الرحيل مجدداـاضافة الى محاولات ايجاد بدائل او مكونات رديفة ومناهضة للتمثيل الفلسطيني كجبهة الرفض و المنظمات العشرية و الكسرية و المدية و الجزرية والتي تتاولف مع ما يطلبه منها راعيوها ومنشؤوها ، و التي كانت بتشكيلاتها ما بين يسارية وربع يمينية ، ولا مستقل ابدا ، اضافة الى مكونات التحالف وما الى هنالك من مكونات وهمية او شبه وهمية .
وان اردنا ان نكمل على الصعيد الفلسطيني في لبنان فان ما حصل بعد الغزو الصهيوني ، المدعوم امريكيا ، ضد لبنان عام ١٩٨٢ وضرب كل ما يمت لمنظمة التحريرالفلسطينية وسرقة مركز الابحاث وافتعال مجازر صبرا وشاتيلا والضغط للتهجير الجماعي الجديد لفلسطينيي لبنان بعد ان فشلت التهجيرات الاولى اعوام ١٩٧٢-١٩٧٣-١٩٧٦ ؛ ومحاولة تصفية التمثيل الفلسطيني انطلاقة من حلم بريجنسكي المتمثل بمقولته الشهيرة (bye bye PLO)،حتى جاءت محاولات جديدة من المؤامرات العربية ضد القضية الفلسطينية و ممثله الشرعي وتمثيله العربي والعالمي، حتى وصل الامر لانشاء مؤسسات ما يسمى بالمكون غير الحكومي والذي بمعظمه ينتمي الى فصائل اما فلسطينية او غير فلسطينية حتى وصلت الامور بكثير من تلك المنظمات والمؤسسات ان تكون مرجعياتها اما سفارة او وزارة او حتى دائرة مخابراتية لدولة شقيقة او صديقة او غير صديقة حتى لا نقول لدولة عدوة .
تُعمل المؤتمرات و تُنجز ورش عمل ويُعمل على انجاح طاولات مستديرة بعلم او بدون علم منظمة التحرير الفلسطينية ، ومرات اما بالتشاور مع بعض قيادات فصائلية ومرات اخرى بدون التشاور الا على المستوى الشخصي كي لا ينحسب موقفا ما على فصيل ما ان تطورت الامور الى الدرك الاسفل والى الحد الادنى من التواطؤ والتخاذل وعدم مناصرة شعبنا وقضيته ، وكي يبقى لذلك الفصيل او جزء من قياداته خطا للرجعة وللهورب من موقف ومن تصرف ما . و يبقى السؤال الاهم ماذا بعد ورش عمل وماذا بعد مؤتمرات واضحة المعالم او مشبوهة الاهداف؟
حضرنا كثيرا من المؤتمرات العربية و الدولية كممثلين فلسطينيين عن اتحادات طلابية وشبابية وكشفية وحقوقية ، وكان التمثيل الفلسطيني الاهم هو منظمة التحرير الفلسطينية و لكن عودا على بدء ، كان الاهم هو التمسك بالحق الفلسطيني ان كان كلاجيء لدى دولة مضيفة او كلاجيء يناضل بشتى انواع النضال من اجل الرجوع الى الوطن ، او كلاجيء يتمسك بحق العودة حسب الاعراف و المواثيق الدولية ، فها هو الميثاق العالمي لحقوق الانسان والذي صدر بتاريخ 10/12/1948، و تنص الفقرة الثانية من المادة 13 انه : لكل فرد حق مغادرة اي بلد بما في ذلك بلده، والعودة الى بلده.وفي اليوم الثاني من صدور الميثاق، اي في 11/12/1948 صدر القرار 194 عن الجمعية العامة للامم المتحدة، الذي جاء في الفقرة 11 منه النص التالي: الجمعية العامة للامم المتحدة تقرر وجوب السماح بالعودة في اقرب وقت ممكن للاجئين الراغبين في العودة الى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم، والتعويض عن ممتلكاتهم.فكان القرار 194 يتعامل مع قضية اللاجئين كقضية انسانية فقط، حيث تغير ذلك في 30/11/1970 في القرار 2649 الصادر عن الجمعية العامة للامم المتحدة ، وجاء فيه: ادانة انكار حق تقرير.المصير خصوصا لشعوب افريقيا وفلسطين.
وفي 22/11/1974 صدر قرار عن الجمعية العامة للامم المتحدة تحت رقم 3236 بعنوان: حقوق الشعب الفلسطيني، جاء في الفقرة 2 منه: حق الفلسطينيين غير قابل للتصرف في العودة الى ديارهم وممتلكاتهم التي شردوا منها.وبذلك اصبح حق العودة وفقا للميثاق العالمي لحقوق الانسان، ولقرارات الجمعية العامة للامم المتحدة 194، 2649، 3236 هو حق سياسي انساني، لايرتبط بالمكان، وهو حق الفلسطيني الذي اخرج من دياره عام 1948 او بعده، ان كان رجلا او امراة او ذريتهم، وهو حق فردي وجماعي نابع من الملكية الشخصية التي تؤكدها كافة المواثيق والعهود والقرارت التي تتعلق بحقوق الانسان.
كل هذه المطالبات و الحقوق الواجبة على الامم المتحدة بكل مؤسساتها و مكونات عملها لم تنفِ حقنا بالعودة ولا بالنضال بالوسائل المتاحة ، كما في كل مؤتمرات حضرناها كممثلين شرعيين عن شرائح فلسطينية متعددة كنا دوما نطالب باحقاق الحقوق الوطنية لشعبنا الفلسطينية اينما وجد ، لكن بالمقابل كنا نطالب باحقاق حقوق مدنية لكل اللاجئين خصوصا في لبنان ، وعلى الاخص الحق بالعيش بكرامة الانسان لا بالتسول لدى الطوائف والمذاهب والاديان والاعيان .و كنا نقول وامام كل الاحزاب اللبنانية اننا نريد من لبنان الشقيق ان نحيا بكرامة لحين عودتنا ، وكنا دوما نطالب بالسماح لنا بالعمل و كي نغيش بكرامة والسماح لنا بالتملك الذي هو نقيض تمام للتجنس ، وكنا نطالب بتشريعات للسماح لنا بعمل مؤسساتي و من خلال مؤسسات مدنية تعمل تحت رعاية او اشراف او متابعة من قبل الممثل الشرعي لشعبنا ومن خلال القيادة الفلسطينية ،لكن بكل اسف الى الان لا جواب لبناني واضح ولا تشريعات لبنانية واضحة حتى اصبح كل مواطني العالم افضل منا من ناحية العيش الكريم ، وفرضت علينا شروطا تعجيزية من اجل اجراء اجازة عمل ، وشروطا غير انسانية ان اردنا ان نتملك حيث ان اي (كشك ) للسكن لا يمكن ان يسجل باسمنا بل ان كان باسم ابائنا وتوفوا فاننا لا نستطيع تورثهم ، لماذا؟ هل لان القانون اعوج اوظالم او لان القانون تارة ربما يعتبرنا حالات خاصة و تراة يعتبنرا غرباء (لا اجانب ) لانه الاجنبي يتبع لقانون الاجانب، وتارة ربما نعتبر نحن الفلسطينيون اننا يجب ان يتم تهجيرنا بطريقة او باخرى….
اوائل سبعينيات القرب الماضي اشاعوا ان الفلسطينيين عملوا (فتح – لاند) في شرق لبنان ، وعملت الابواق المشبوهة على تحريض اشقائنا اللبنانيين ضد الفلسطينيين وقياداتهم ، مرات بالقول ومرات بحروب تفرض على شعبنا كي يقال ان الفلسطينيين تورطوا بحرب لبنانية ليس لهم شأن فيها ، دمرت مخيمات وابيدت عائلات وبقيت اشلاء الاطفال ضائعة ما بين اتربة و زواريب قرى ومدن و مخيمات نتيجة غارات اسرائيلية او نتيجة مدافع صبت حممها على رؤوس المدنيين القابعين تحت زينكوا تل الزعتر و الكرنتينا و جسر الباشا وصبرا و شاتيلا ،والبداوي و عين الحلوة و غيرهم …ولم يسلم مخيم من مخيمات لبنان من هول القتل و الدمار و التهجير،حتى غادرت شبابهم وعلى مراحل اما طلبا للامان و او طلبا لحياة كريمة او الاثنين معا.
حين فشلت مؤامرات عدة على شعبنا ، وبعد ان كانت هناك بدع لتطوير العمل الشبابي الفلسطيني بقروض ميسّرة بل هي مسيّرة ، لا تغني ولا تذر ، وبعد ان تم افراغ الكثير من مخيمات لبنان من ساكنيها بسبب حروب الشواريع والزواريب بين الحين والاخر ، و بعد ان اثقل كاهل شعبنا الفقر و العوز وقلة الانتاج الاقتصادي وبعد ان تم اقفال ابواب الدول العربية الغنية امام الخريجين الفلسطينيين من جامعات و معاهد مهنية عليا او متوسطة ، و بعد اكثر من عشر سنوات على الانقسام البغض بين اجزاء الوطن المنشود ، و بعد ان تعددت المرجعيات الفلسطينية الوطنية و الاسلامية في لبنان ، حتى ترى كل واحد يغني على ليلاه ، وبعد ان صارت الفئات الشبابية الواعية المثقفة ترى ان المسؤول الفلسطيني القابع على كرسيه متمسمرا فيها اضبح اغنى من اي تاجر ذهب او مجوهرات ، حتى لو كان من ذوي الافكار الاشتراكية و الماركسية سابقا مثله مثل رفاق دربه بل زملائه بالكرسي من الفئات المسماة يمينية او برجوازية ، ضاع الشباب الفلسطيني و ضاعت الشرائح الفلسطينية حتى صار يقال ان الهجرة هي الحل الامثل حيث العيش الكريم و حيث البشائر السارة من اجل حياة نعيمة و ربما ناعمة ايضا.
بوصلة فلسطين ، معروفة الاتجاه حتى لو كان الامر بنا كلنا هجّرنا الى ما بعد البحار والمحيطات ، ولا يصلح اخر الامر الا كما صلح به اوله ، فلا الهجرة تغنينا عن فلسطين ولا التهجير يغنينا معيشيا ، ولن تكون مطالبات الهجرة التي تدبرت من قبل من دبر ذلك ، لكنهم ليسوا على قدر من المسؤولية السياسية ولا الاقتصادية ولا حتى الانسانية كي اعتبر ان موقفهم هو الاصح ، وما مطالب الهجرة الجماعية الا نوعا اخر من قصف للمخيمات لكن بقنبلة واحدة و بمدفع واحد نتيجته دمار وكارثة تفوق نكبة العام 1948 ، ولا اظن ان هذا ما يريده شعبنا الفلسطيني المناضل ، وقد ان للفصائل الوطنية والاسلامية و التي تدعي حرصها على تحرير فلسطين ان تقول كلمتها ، وان تدافع عن الوجود الفلسطيني في لبنان بشتى الطرق القانونية ، والا فإن الشباب الفلسطيني كل الحق معاه اجلا ام عاجلا .
*رئيس الهيئة التنفيذية للاتحاد العام للاعلاميين العرب
بيروت في 13 آب 2017
لبنان