الاربعاء, 09 أكتوبر 2024 07:55 صباحًا 0 97 0
الحنين لدفئ العائلة
الحنين لدفئ العائلة

 

الكاتب - سعد ابوطالب 


 

غالبًا عندما نجلس بمفردنا، يزورنا شعور الشوق إلى الماضي، وخصوصًا لأيام الطفولة والعائلة. إنه شعور عميق يلامس أعماق القلب، فكل تفصيلة بسيطة من أصواتهم، حركاتهم، خطواتهم وحتى زوايا البيت، تظل محفورة في ذاكرتنا وكأنها جزء من أرواحنا. لحظات الجلوس وحيدًا تسرقك إلى الذكريات، وكأنك تبحث عن ومضة من الماضي تهدئ نيران الشوق التي تستعر داخلك.

 

كلما كبرنا، زادت هذه اللحظات التي تعيدنا إلى الوراء، إلى ذكريات ودفئ العائلة ، نعيش تلك اللحظات بصمت أعمق، كأنها جزء لا يتجزأ من الحاضر الذي نعيشه. نشعر بالشوق ليس فقط للوجوه التي غابت ، ولكن للأماكن والأصوات وحتى الروائح التي كانت تحيط بنا . نشتاق للضحكات الطفولية، للحظات العفوية، وللأمان الذي كان يغمرنا بلا وعي منا. تلك اللحظات التي كانت تبدو عادية حينها، ولكن مع مرور الزمن أصبحت وكأنها كنوز ضائعة.

 

الأحلام التي تزورنا بأصوات، وخطوات عائلتنا الذين غابوا،، كأنها محاولة من العقل لملء الفراغ الذي تركوه وراءهم. ومع أننا ندرك أنهم لن يعودوا كما كانوا، إلا أن الشوق يصورهم لنا في مخيلتنا وكأنهم لا يزالون بجانبنا، يحاولون إعادة دفء اللحظات التي نفتقدها بشدة. نستيقظ أحيانًا بحثًا عن مصدر الأصوات، الخطوات، متجاوزين الواقع وحتميته، وفي النهاية لا نجد سوى الفراغ ولوعة الحنين.

 

هذا الحنين الذي يجمعنا يعكس التغيرات الكبيرة التي مررنا بها ، وكيف كنا نرى الدنيا بعيون بريئة مليئة بالحياة. يغلبني الشوق كلما عدت إلى صور الذكريات، فأرى من لا يزال موجودًا لكن الحياة شغلته بمشاغلها، وأتذكر من رحلوا وما تركوا لنا إلا عبق ذكرياتهم الجميلة. لم أشتق فقط للحظات الجميلة معهم، بل حتى لخلافاتنا، لتلك النقاشات الحادة وتماسكنا بالأيدي. وحين لا تتدخل بيننا الأحقاد ، نعود للحديث وكأن شيئًا لم يكن.

 

أشتاق لتلك اللحظات التي كانت ضحكاتنا تعلو وتملأ المكان. رغم انشغالنا في تلك الفترة، كنا ننتظر الفرص لكي نجتمع ونتقارب. الذكريات تبقى حية في القلب، والشوق لهم لا يفارق مخيلتي . ومع اعتيادي على الألم الذي خلفه غيابهم ، لا أنساهم من دعائي . سيظلوا دائمًا حاضرين في مخيلتي وصلاتي، 

 

وأكثر ما يغلبني هو الشوق لتلك الأيام التي كنا فيها أطفالًا، رغم طيشنا وجهلنا ، كانت أفكارنا بسيطة وعفوية، على قدر طفولتنا. كنا نتصرف بدون تفكير أو خوف، وكثيرًا ما كانت تصرفاتنا تمر بلا حساب، لأن الجميع كان يعرف أن طيشنا جزء من براءتنا. كانت الحياة سهلة وبسيطة، والحسرة لم تكن تعرف لنا طريقًا. 

الشوق للماضي يعيد لنا ذكريات قد نكون نسيناها لفترة طويلة، لكنه يحمل أيضًا جانبًا من الألم ؛ ألم الفقدان وألم عدم القدرة على استعادة تلك اللحظات. إنه خليط غريب من المشاعر، بين الحنين والفرحة بما مضى والحزن على ما لا يمكن استعادته. نحاول في كل مرة نعود فيها لتلك الذكريات أن نمسك بجزء منها ، أن نعيد إحياءها ولو لبضع دقائق، لكنها تبقى ذكرى، تسكن في أعماقنا وترافقنا في رحلتنا اليومية.

 

 

في النهاية يجب ان ندرك أن الشوق للماضي هو جزء من نضوجنا ؛ وادراكنا لما كان لدينا وما فقدناه ، ولكن أيضًا هو تذكير بأن الحياة تستمر. علينا أن نقدر اللحظات التي نعيشها الآن ، ونحاول أن نصنع ذكريات جديدة مع أحبائنا، حتى لا نعيش دائمًا في ظل ما مضى.

 

 

 

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر

محرر المحتوى

ابراهيم الحكمي
مدير الدعم الفني

شارك وارسل تعليق

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من إرسال تعليقك

أخبار مقترحة