مواقف لا تنتهي .
لكل شخص منا مواقف تتكرر يومياً بطرق وأساليب مختلفة. لكن هل رأيت أو شعرت يوماً بموقف غير منتهي؟ هل شعرت بأن موقف ما استمر معك العمر كله؟
في الحقيقة هناك العديد من المواقف غير المنتهية في حياتنا... مواقف تظل حاضرة في ذاكرتنا وتستمر في التأثير علينا طوال الحياة. فمثلا كم مرة حدثت مشادة بينك وبين آخر واضطررت لكتم ردودك ومشاعرك بأكملها داخلك؟ وتظن هذه الأفكار تلاشت أو تخطيتها؟ بالتأكيد لا.
فهذه الأفكار والمشاعر لا تزال حية داخلك، وتلك المواقف ما زالت جارية في أعماق وعيك، والعواطف تنبعث من أعماقك كنغمات لحن لا يفنى. ومن ثمّ، تتحوّل تلك اللحظات إلى متحف داخلي يضم آثار مواقف لا تنتهي، حيث تظل الصور الواضحة لتلك اللحظات تتدفق كالأفلام البيضاء والسوداء، وتبقى التماثيل واللوحات والتحف الفنية تحمل قيمتها وتأثيرها عبر كل فعل وردة فعل يمر به عقلك وقلبك.
لكن كيف لك أن تنهي ذلك؟ فتخيل مثلا أنك في أحد الليالي الباردة، كنت تسير في الطريق وفجأة، وجدت طائراً صغيراً مصاباً على الأرض. كان يصدر أصواتًا هادئة تدل على ألمه. وبجواره صديق لك ينتظرك بصبر وكان لديك فرصة للتدخل ومساعدة الطائر المصاب، وفي الوقت نفسه، كان صديقك يحتاج إلى دعمك. كيف ستتصرف؟ هل ستقدم المساعدة للطائر المصاب أولاً ثم تنتقل لصديقك؟ تخيل أنك قمت بالعكس... ستكون معه دون تركيزك... بجزء منك وليس بكامل تفكيرك أو بكامل وجودك، ولا حتى بكامل طاقتك، وإمكاناتك.
ولذلك، انظر دائماً داخل ذاتك، وتأمل اللحظات غير المنتهية التي تحملها كالثقل على أكتافك. عد بخيالك إلى أيام طفولتك واستمرارها حتى اللحظة الحالية ولك أن تتخيّل كل موقف، كأنه مستمر داخل أعماق وعيك، مثل شريط سينمائي يكرر نفسه بلا انقطاع وتذكر الحوارات التي تجريها مع نفسك نهاراً وليلاً، حتى مع غياب الآخرين وهنا تنتبه إلى كمية الطاقة التي تفقدها، وكمية التفكير التي تستهلكها، وكيف أن مشاعرك قد تكون منهكة وتقوم باستشعار نقاط النقص في روحك وكيف يمكن أن تؤثر على حياتك بشكل عام، والأكثر خطورة من كم الطاقة الهائل الذي تفقده هو أن تحمل داخلك مواقف لا نهائية، وتلك التي تلقي بظلالها على رؤيتك للعالم والأحداث والأشخاص التى تسعى جاهداً لحلها، لكنك تجد نفسك مُعَرَّضًا للخطأ في اختيار الشركاء الذين ليس لهم أي صلة بالقصة الأصلية. إنما هم ذلك الفريق الذي اختارته ذاكرتك الباطنة ليلعبوا أدواراً مأساوية في سيناريو متكرر ومحبط، دون أن يكون لديهم أي دور أو مشاركة في النهاية السعيدة التي رسمتها لنفسك.
وهنا عليم ان تراجع علاقاتك بدقة... وتراجع تفاصيلها بعناية، واسترجع مشاعرك وأفكارك وتصرفاتك وستكتشف عدد كبير من المواقف غير المنتهية المحفوظة داخلك، وكيف تأثرت وقتها ومع مَن ،إن تلك المواقف غير المنتهية تشبه الثقوب السوداء التي تجذبك بداخلها، فتستهلك طاقتك ووقتك وجهدك ومشاعرك وأفكارك حيث تتركك مهلهلًا، مشتتاً تبحث عن شيء لا تعلمه في أول مكان تتوجه إليه. وتلك المواقف التي تبقى كالأحجار الثقيلة مرتبطة بقدمك تقيِّد حركتك وحريتك وإمكانياتك، شبيهة بالقيود على اليدين والغمامة على العين. تجعلك حبيس عالمك الداخلي، محاطاً بأشخاص قدامى وأحداث بالية، تحجب عنك الحركة والمرونة والرؤية، وتمنعك من تجديد الإستقبال، فالمواقف غير المنتهية، من منظور ما، تعتبر هي الجذور الكامنة وراء أشكال وأعراض الأمراض والإضطرابات النفسية بكافة أنواعها. لذا، تذكر أن تحليلها بعمق يفتح أبواب التفاهم الذاتي ويمهد الطريق أمامك للشفاء والتطور الشخصي.
الكاتب / طارق محمود نواب