الاربعاء, 17 ابرايل 2024 09:55 صباحًا 0 367 0
عكس اتجاه البوصلة .
عكس اتجاه البوصلة .

عكس اتجاه البوصلة .


 
تُعد المملكة العربية السعودية من أكبر الدول المستوردة للسلع والمنتجات من الصين، حيث وصل حجم الإستيراد لـ 712 مليار ريال في عام 2022 من التنين الصيني فقط، مما يُشكل تحديًا كبيرًا للإقتصاد الوطني، ويُؤثّر سلبًا على مستقبل الصناعة المحلية، خاصة وأن الإستيراد يستنزف الإحتياطي الوطني من العملة الصعبة، وفي ظل سعي المملكة نحو تنويع الإقتصاد، وتقليل الإدمان، أو الإعتماد على النفط كنقطة ارتكاز رئيسية للإقتصاد، فهناك ضرورة مُلحة لإعداد شراكة استراتيجية ملحة مع الصين، تُساهم في تحقيق التنمية المستدامة، وتُمكن المملكة من تحويل هذا الإستيراد الذي يشكل عبئًا كبيرًا على الإقتصاد، إلى نقطة قوة، عبر استراتيجية مدروسة.

 ولكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن وبقوة، هو ما هي هذه الإستراتيجية، وكيف تُطبق، وهل هي ممكنة، أم مُجرد نظريات وكلام  غير قابل للتطبيق على أرض الواقع، وخلال السطور التالية سنُحاول الرد على التساؤل المشروع بصورة عملية،  فهذه الإستراتيجية المُقترحة تشترط أن يكون جزء من المنتجات الصينية المُصدرة للمملكة، تحتوي على مكونات محلية الصنع، بنسب معينة قابلة للزيادة بالتدريج، وصولاً إلى نسب معتبرة، وتقديم حوافز ومزايا للشركات المحلية لزيادة الإنتاج وتطوير المنتجات المحلية، بما في ذلك الإعفاءات الضريبية والدعم المالي وتسهيل الحصول على التمويل، حتى لا يكون المنتج المستورد المنقول عبر آلآف الأميال، أرخص من نظيره المحلي المصنوع في نفس البلد، فالبعض يستسهل ذلك ، في إشارة إلى أن شراء المنتج المستورد أفضل من التصنيع المحلي، وهذا ليس مقبولاً. 

 ليس هذا فقط، بل إن هناك ضرورة للاتفاق مع الشركات الصينية على نقل المعرفة والخبرة إلى الشركات المحلية، من خلال برامج تدريب وتعاون تقني، وتشجيع الشركات الصينية على تأسيس مشاريع مشتركة مع الشركات المحلية، مما يُساهم في نقل التكنولوجيا والمعرفة وخلق فرص عمل جديدة.

 ولكي تكون الإستراتيجية شاملة وكاملة، فلا يجب أن ننسى التنسيق مع الإستثمار في التعليم، خاصة في المهارات المطلوبة، بعيداً عن الدراسات والعلوم النظرية غير المطلوبة في سوق العمل، وتضيف إلينا سنويًا العديد من العاطلين، ولذلك هناك ضرورة  للإهتمام بالتدريب المهني، لرفع مستوى مهارات الفنيين السعوديين، وتأهيلهم للعمل في الصناعات المختلفة، ومن ثم إطلاق برامج توعية تُشجع على استهلاك المنتجات المحلية الصنع، ودعم الشركات المحلية.

فليس من المقبول، أن يقوم المعتمر الذي وصل تعداده  لـ13.5 مليون من خارج البلاد في 2023، أو الحجاج الذين وصل تعدادهم لـ1.6 مليون حاج من الخارج، أو المقيمين الأجانب في السعودية الذين وصل تعدادهم لـ 13.3 مليون، بما يمثل 41.6% من إجمالي عدد السكان البالغ 32.2 مليون، وفقا لتعداد السعودية 2022، أن يقوموا بشراء الهدايا عند العودة إلى بلادهم، تبركًا بأرض المملكة المقدسة، وفي النهاية هذه الهدايا مستوردة من الصين، ولا يوجد منها ماهو صنع في السعودية، وفي الأغلب لا تخرج عن بعض الصناعات البسيطة مثل "السبحة" والسجادة" والجلباب الإسلامي" والعاب الاطفال، وخلافه ... ، فالاهتمام بهذه الصناعات البسيطة كفيل بتحقيق نهضة اقتصادية كُبرى في الصناعات الصغيرة والمتوسطة، وقد تكون نواة للصناعات الكبرى، وهذا ما تحدثنا عنه بالتفصيل في مقالة "صناعة الهدايا ليس ترفًا".

وبالتزامن مع هذه الشراكة مع الصين، هناك ضرورة للعمل على الإستفادة من موقع المملكة الإستراتيجي، لكي تتحول إلى مركز لوجستي إقليمي للتصدير والإستيراد، مما يُساهم في جذب المزيد من الإستثمارات وخلق فرص عمل جديدة، واستغلال الثقل السياسي والإقتصادي لتحويل المملكة إلى بوابة تجارية بين الشرق الأوسط وبقية دول العالم، وهذا لن يحدث إلا من خلال تحسين بيئة الإستثمار، لدعم المستثمر المحلي في البداية، فالمستثمر الأجنبي لن يأتي، إلا عندما يجد البيئة مواتية لنظيره المحلي، وبالتالي جذب المزيد من الإستثمارات الأجنبية، خاصة في مجال التصنيع، مما يُساهم في تعزيز ودعم الإقتصاد الوطني.

 وفي رحلتنا عبر سلسلة من المقالات والأبحاث، حاولنا جاهدين الحديث عن الصناعات القابلة للتنفيذ، وتحدثنا عن طُرق وسُبل توطيد هذه الصناعات، ومن هذه المقالات على سبيل المثال وليس الحصر: "صُنع في السعوديَّة.. مصدر ثقة لملياري مسلم"، و"الفرص الضائعة في الصناعة"، و"الصناعة والتقدم وجهان لعملة واحدة"، و"نفط القرن الـ 21"، و"كماشة التفقير المُتعمد"، و "الصناعة الواعدة"، و "كلمة السر لتقدم الأمم"، و "صناعة المستحيل"، "ومن حائل.. إحدى سبل صناعة المستقبل"، و "ثروة مُهدرة"، و "الحصان الرابح"، و "عُقدة الخواجة !!"، و "حتى لا نقع فريسة"، و "الطريق نحو الاكتفاء الذاتي دون صرف ريال من الخزينة"، و "التعهيد صناعة ملحة"، و "الذهب الأخضر المفقود"، و "الإقتصاد وعبقرية المكان"، و"صناعة الهدايا ليست ترفاً"، و"لم يتبق إلا صناعتنا"، و"حجر الزاوية في نجاح موسم الحج"، و"من أهم الأذرع الإقتصادية"، و"لا نهضة إلا بالصناعة"، وفي الحقيقة لا أستطيع أن أذكر كل المقالات التي تحدثت عن الصناعة بصورة  أعتقد أنها كانت جامعة مانعة، وما ذكرته من أمثلة عبارة عن غيضٌ من فيض. 

 وأخيرًا وليس آخرا، فما أريده أن أقوله، هو أن الصناعة هي الحل الأول والأخير، لتعافي اقتصادنا من الإدمان على النفط، وهذا ما أدركه الملك سلمان  وولي عهده محمد بن سلمان حفظهما الله، وفي سبيل ذلك أطلقا رؤية "2030" لتنويع مصادر الدخل، والحفاظ على مستقبل أفضل للعباد والبلاد.
 وبهذا يطيب لي أن ازف ارقى ايات التهاني بحلول عيدالفطر المبارك اعاده الله على الأمة الإسلامية أجمع وهي في خير حال ونصر وسؤدد .

الكاتب : أ.د محمد احمد بصنوي

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر

محرر المحتوى

غاليه الحربي
المدير العام
المالكة ومدير عام ورئيس تحرير صحيفة شبكة الصحافة للنشر الالكتروني - مدير عام المنابر التعليمية والتربوية بالشبكة

شارك وارسل تعليق

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من إرسال تعليقك

أخبار مقترحة