مهارة الـتحديث ( Update ) ..

اتساع حدقتي العينين ثم الصمت وتقطيب الجبين وتغير لون الوجه وتسارع التنفس , هي لغة جسد طبيعية لمن غمرته موجة من التعجب والاستغراب والدهشة والمفاجأة والاستنكار والغضب , عندما يرتطم بقولٍ أو فعلٍ يُخالف تماماً ماهو مُخزنٌ في ملفات عقله عن نفس الموقف ومايجب أن يُقال أو يُفعل فيه ..!!!

ومن الطبعي أن هذه الموجة القوية العنيفة لن تمر عليه مرور الكرام , فقد يكون لها آثارٌ تدميرية عاجلة وقد تكون متوسطة أو بعيدة المدى , وقد تنعكس – بشكلٍ أو بآخر – على صحته النفسية وعلاقته بنفسه وبمن حوله , وقد تقود – في بعض الأحيان – إلى ماهو أخطر من ذلك , عندما يبدأ – ليس برفض الفعل أو القول أو حتى الموقف نفسه – بل يمتد إلى رفض صاحبه والمجتمع بكل تفاصيله ..!! وقد يقوده ذلك إلى مستنقع العدوانية والانطواء ..!!

كل ذلك يقودنا إلى أهم – في ظني – مهارة يجب علينا جميعاً إتقانها إتقاناً عالياً , لكي نستطيع أن نتلافى تلكم الموجة وآثارها التدميرية بقدر المستطاع ..
فلو استثنينا الجانب التعبدي في الدين والمبادئ والقًيم , فسنجد أن كل ماتبقى من ملفاتٍ في عقولنا يحتاج – بين الفينة والفينة – إلى أن نفتح تلك الملفات ونقوم بإجراء عملية تحديث لكل مافيها من تصورات سابقة أو أفكار راسخة أو تجارب ماضية , وسنجد – وبالتأكيد – كثير من ملفاتنا المخزنة تحتاج إلى تحديث جزئي أو كلي , وأحياناً إلى حذف الملف بالكامل ..!!
وهذا يحتاج إلى كمية كبيرة من الشجاعة والثقة بالنفس والمرونة والشفافية والتواضع , وإلى الابتعاد عن شخصنة الأمور وخلط الملفات بالموروث  أو بالعادات والتقاليد أو بالتكبر والعناد والرفض لمجرد الرفض ..!!
وهذا مافتقر إليه مشركو قريش , فهم رفضوا مجرد فتح الملف الذي في عقولهم , تكبراُ وعناداً وتمسكاً بما ألفوا عليه من سبقهم ..!!
وفي ظني أن من يُتقن مهارة التحديث ( Update ) سيعبر بسلام نفسي أكثر واطمئنان أكبر في بحر التغييرات المتلاطم الأمواج المتسارع الحركات الذي تمر به المجتمعات بشكلٍ عام , وسيحقق نوعاً من التوافق والتكيف مع محيطه , ولايشترط التحديث الرضا بوضع ما , بل التحديث هو معرفة الجديد والاعتراف به , وحتى ولو رغب الإنسان بتغيير الجديد , فهو سيعمل بنفس التقنية , وسيكون التغيير الذي ينشده هو تحديث جديد , وليس عودة للإصدار القديم  , فيختار أسلوباً افضل وطريقة أمثل ومنهجية أذكى وأحكم لفعل ذلك , عكس لو كان يرفض ويستنكر , ويطالب من حوله بالعودة إلى القديم فحسب ..!!

مهارة التحديث ضرورة ملحة لكل عاقل , وهي ستعين كل مربي أو مرشد اجتماعي , وتعلمها حد الاتقان مطلب حياتي وليس من باب الترفيه الفكري والثراء المعرفي فحسب .. , وكلما قام بها الإنسان مبكراً كلما كانت النتائج أفضل بكثير ..

لن أذكر أمثلة , وسأترك الأمر لعقولكم النيرة , وفكركم الثاقب ..

دوزنة عقل :
الملفات الفكرية أخطر أنواع الملفات , وهي التي تقف خلف كل سلوك قولي أو فعلي , وخلف كل ردود الأفعال , وخلف الكثير من الاضطرابات النفسية وعدم التوافق الاجتماعي والانسحاب الصامت من المجتمع ..!

الكاتب والمستشار الأسري والتربوي / أحمد سليمان النجار