الشيخ محروس أمين قدوة الناجحين والمصلحين

سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر

شبكة نادي الصحافة السعودي

د. هداية الله أحمد الشاش

شرف عظيم لي أن ألتقي مرارًا بنجم من نجوم الدعوة والتربية والمسؤولية الاجتماعية؛ إنه الشيخ محروس
أمين، شخصية تُبهرك بإخلاصها وحملها لرسالة العلم والمعرفة، ويجذبك تواضعها وكرمها الرفيع.
الشيخ محروس أمين – يحفظه الله- في الثمانينيات من عمره، بذل كل سنيَّ شبابه وكهولته بل وشيخوخته في إنشاء وإدارة المعاهد الإسلامية في إندونيسيا.
إنه حامل لواء الدعوة الإسلامية من خلال المعاهد الإسلامية الأهلية في إندونيسيا، فهو مؤسس معاهد مدينة النجاح، ذات الخمس فروع، والتي يدرس فيها نحو 4000 طالب وطالبة، وهو أحد مؤسسي معاهد دار النجاح الإسلامية، التي تتكون من 17 معهدًا متوزعًا على أرض إندونيسيا من الشرق إلى الغرب، ويدرس فيها 9 آلاف طالب وطالبة، ابتداء من مرحلة رياض الأطفال حتى نهاية المرحلة الجامعية.
كما ساهم الشيخ محروس في تأسيس عشرات المعاهد الإسلامية الأهلية في أنحاء إندونيسيا، ولا زال يدعم ويتعاون مع المعاهد الإسلامية المختلفة.
ونذكر هنا أن عدد المعاهد الإسلامية الأهلية في إندونيسيا يبلغ 29 ألف معهد إسلامي، موزعة على الأرض الإندونيسية، وتدرّس هذه المعاهد المقررات الدراسية الأساسية، والمقررات الشرعية المختلفة، وتُعنى أيضًا بتعليم اللغة العربية لطلابها، ويعكف على إنشاء هذه المعاهد المخلصون من العلماء والدعاة الذين يحملون على عاتقهم مسؤولية تخريج الدعاة والأئمة الناجحين في ميادين الحياة.
ما أدهشني حقًا في الشيخ محروس أمين – حفظه الله- أنه بدأ في حمل هذه الرسالة وهو طالب في المرحلة الجامعية بجامعة الشريف هداية الله الإسلامية الحكومية بجاكرتا! حينما أعد بحثًا بعنوان :" الدعوة إلى الله عن طريق تأسيس المعاهد الإسلامية"، وكان هذا هو بحثه للتخرج في اختصاص الدعوة الإسلامية.
نعم لقد شعر بالمسؤولية نحو مجتمعه، وحمل همّ الدعوة الإسلامية وهو في الثانية والعشرين من عمره، وهنا نذكّر الشباب ألا يستصغروا دورهم في الحياة، وألا يقللوا من شأنهم وتأثيرهم في مجتمعاتهم، وألا ينتظروا الكهولة ليبادروا فيها لتحقيق الإنجازات.
لقد كان من أسباب اهتمام الشيخ محروس أمين بإنشاء المعاهد الإسلامية؛ وصية شيخ الأزهر الشيخ محمود شلتوت –رحمه الله- حينما أوصى العلماء في إندونيسيا أن يؤسسوا 100 معهد شرعي، هنا بلغت الوصية الشيخ محروس، ووقعت منه موقعًا بليغًا، وشعر أنه هو المعني بالوصية، وهكذا دائمًا يبادر الناجحون، ولا ينتظرون من يقود ويبادر، بل يستلمون زمام الأمر، ويحملون همّ المسؤولية، وينطلقون بإصرار وثبات وعزيمة نحو الهدف حتى يحققونه.
ونستلهم أيضًا من وصية الشيخ محمود شلتوت –رحمه الله- هذه عبرة؛ وهي أن على الدعاة والمعلمين والمصلحين أن يعتنوا ببذل النصح، واستنهاض الهمم برؤى مستقبلية يتطلع الجيل إلى تنفيذها، فاغرسوا – أيها المعلمون – نصحًا؛ تحصد الأجيال منها إنجازات عظيمة.
لقد أدرك الشيخ محروس أهمية إنشاء المعاهد الإسلامية؛ منذ أن كان طالبًا في معهد دار السلام في كونتور، والذي خرّج الدعاة والعلماء البارزين، من بينهم أصدقاء الشيخ محروس أمين؛ كالشيخ باسوني الذي أصبح وزيرًا للشؤون الدينية، والشيخ هاشم موزادي رئيس جمعية نهضة العلماء، والمفكر الإسلامي الشيخ نور خالص ماجد، والشيخ عبد الله شكري زركشي، ومن أولئك من ساهم معه في تأسيس المعهد؛ وهنا نلمح أيضًا أن أصحاب الهمم لا يصاحبون إلا نظرائهم من الناجحين والمتميزين والمؤثّرين، فعش مع الناجحين تكن منهم.
كان لدى الشيخ محروس أمين أثناء دراسته في معهد دار السلام موهبة في الخطابة وإدارة التنظيم الطلابي، وكان قريبًا من مدير المعهد الشيخ إمام زركشي، الذي كان يوكل إليه كتابة الخطابات للجهات الوقفية لمهارته فيها! وهنا نرى أن موهبة القيادة والرغبة في وضع البصمة الاجتماعية المؤثرة تبدو ملامحها منذ سنوات الصبا، وأن القرب من القيادة يترك أثره في طموح الشباب ومستقبلهم.
ما أسرع الحلم وما أقربه من الواقع حينما تحمله نفسٌ توّاقة لتحقيقه، لقد بدأ حلم الشيخ محروس يتحول إلى حقيقة؛ في السنة التي تخرج منها من الجامعة عام 1961م، وذلك عندما بلغه أن الشيخ عبد المناف قد امتلك أرضًا مساحتها 5 آلاف متر مربع ؛ وقرر أن يوقفها لله تعالى.
لا يفوتنا هنا أن نذكر أن الشيخ عبد المناف نفسه قد كتب في مذكراته وهو في الخامسة عشرة من عمره، أنه إذا كبر سيبني مدرسة مجانية، وها هي الشخصية الخيّرة والمسؤولة تبرز ملامحها مبكرًا منذ سنوات الصبا!
لذلك هيء الله لهما ما تمنياه، مصداقًا لقوله صلى الله عليه وسلم:" اعملوا، فكلٌ ميسر لما خلق له"، وهنا التقت هامتين عظيمتين على حب الخير والدعوة إلى الله تعالى، فبادرا بإنشاء معاهد إسلامية أسموها معاهد دار النجاح الإسلامية لتربية المعلمين والمعلمات، أملاّ في تربية وتخريج جيل من المعلمين الناجحين، لإصلاح المجتمع ونشر الإسلام الصحيح في ربوع إندونيسيا.
ما يبهرك هنا عندما تتساءل هل كان الشيخ محروس ذا مال وفير عندما شارك بتأسيس معاهد دار النجاح؟ كلا والله لم يكن الشيخ ذا مال آنذاك ، لكنه كان غنيًا فقط بالإيمان والعزيمة والطموح، لقد كان يبذل مع أبيه وأمه جهدًا ليساهموا بالمصروفات المالية للمعهد، وكان والده "الشيخ جاسم أمين"- المجاهد سابقًا ضد الاستعمار الهولندي- يساهم ببناء المعهد بيده، وكان كلما وضع حجرة بناء ( طوبة ) يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، ويدعو الله أن ينتفع طلاب العلم بهذا المعهد، وكانت أمه تبيع الدجاج لتسهم في بعض مصروفات المعهد، هنا نتعلم أن البدء بمشروعات عملاقة وأعمال خيرية عظيمة لا تقتصر على الأغنياء فقط! فلا تتقاصرن هممنا عن حمل رسالة النور والمعرفة والتنمية مهما كانت ظروفنا ومهما كثرت عقباتها.
لقد بدأ معهد دار النجاح هذا بمبنى مكوَّن من طابقين اثنين فقط، يدرس فيه 75 طالبًا، يقيم 3 طلاب منهم فقط في سكن المعهد، ثم بارك الله في المعهد ببركة الإخلاص فيه والطموح لأقصى نجاح فيه، حتى نمت الأراضي الموقوفة له، وساهم آخرون في وقف الأراضي له، حتى بلغت معاهده 17 فرعًا، ومساحة أراضيها الوقفية تزيد عن 677 ألف متر مربع، وقيمة أصولها 179 مليون دولار، والتي استثمرت بعناية وأمانة ومسؤولية، فباركها الله وأنبتها نباتًا حسنًا، وأخبرني الشيخ محروس- يحفظه الله- أنه يطمح لأن تتضاعف مساحة الأراضي ويتضاعف عدد المعاهد، فلا حد لآماله وطموحه ما دامت النية قوية، والسعي لها مبذول.
عندما تزر هذه المعاهد تُبهرك جمالًا ونظامًا ونشاطًا، تجد الطلاب والطالبات يقيمون في المعاهد، ويوفّر لهم الغذاء والكساء والعلاج، كما يشرف مشرفوهم على دروس التقوية التعليمية المسائية، وتحفيظ القرآن والخطابة، وبرامج اللغة العربية والإنجليزية، ومختلف أنواع الرياضات البدنية، والأنشطة الاجتماعية، والأنشطة الفنية كالرسم والخط العربي والإنشاد وغيرها من عشرات الأنشطة، التي يمكن للطالب أو الطالبة الانضمام إليها؛ بحسب هوايته وموهبته، فتتبنى معاهد دار النجاح -مدرسة وجامعة- منهجًا حضاريًا مشرِّفًا، يعتني بالبناء الإيماني والمعرفي والأخلاقي والبدني والاجتماعي للطالب، ليتخرج منها القائد والداعية والمعلم وشباب التنمية الناجحون في شتى المجالات.
الشيخ محروس حفظه الله لم يبنِ هذه المعاهد خطوة خطوة فحسب، بل بنى نفسه بنفسه أيضًا من الناحية العملية، فبعد تخرّجه من الجامعة درّس في جامعة الشريف هداية الله كمحاضر حتى عام 1980م، وأسس بماله آنذاك مطبعة لطباعة الكتب، ساهمت في نشر العلم، وفي إرفاد المعاهد بمصادر التمويل.
يخبرك من عرف الشيخ محروس أنه - ومنذ شبابه- نشيطًا، واصلًا للرحم، جديرًا بالمسؤولية، ومحبوبًا من الجميع، لخلقه الكريم ولطفه وبذله، وحمله مسؤولية الدعوة والتربية وتحفيظ القرآن الكريم، بل إنه نذر نفسه لهذه الرسالة، ولم يحمل همّ نفسه يومًا، فهو وحتى الآن لا يملك شيئًا من الأموال لنفسه، حتى السيارة التي تقلّه؛ إنما هي وقف للمعهد وليس ملكًا له!
الشيخ محروس كان يؤمّ المعلمين والطلاب في مسجد المعهد المركزي منذ تأسيسه عام 1961م، وحتى 2015م، وما زال متابعًا لأنشطة المعهد وحاضرًا فيها - رغم تقدّمه في السن -، كما أن له درسًا دعويًا أسبوعيًا لأهالي الطلاب والطالبات حتى الآن.
الشيخ محروس قدوة لكل مسلم يأمل في النهوض بوطنه وبأمته بعمل حضاري تنموي، وهو قدوة لكل داعية ولكل معلم، ولكل صاحب رسالة وطموح.
مسيرة الشيخ ورسالته أشعرتني أن من مسؤوليتي أن أكتب عنها لتُلهم الدعاة والشباب، ولتوقظ الهمم، ولتحفّز إلى النجاح وإلى الرقي نحو القمم.
 
إنها سيرة ترفع الرأس بنماذج حية في واقعنا الإسلامي، الذي أحوج ما يكون لأصحاب الرسالة، فلنكن جميعًا منهم، ولنكن قدوة في نشر المعرفة والإيمان والأخلاق في آفاق الأرض.
وأنت قرّر أن تنهض وتُنهض أمتك من سباتها، قرر أن تبذل كل ما تملك، دون أن تبخس نفسك قدرها، فقد كرمك الله تعالى، وجعلك خليفته في الأرض، وأسجد لك ملائكته، وسخر لك السماء والأرض وما بينهما، فماذا تنتظر؟ استعن بالله، واحلم بإنجازات عظيمة، ستصبح بإذن الله واقعًا بهمتك وعزيمتك وصبرك وتخطيطك؛ مهما كانت الظروف ومهما كثرت العقبات، كن القدوة التي تترك أثرًا لا يُمحى، كن ذا بصمة يكتب التاريخ عنك بماء الذهب.


الهنوف محمد الهنوف محمد
محرر صحفي

0  1037 0

الكلمات الدلالية

آخر المعجبين بالخبر

التعليقات


اكتب تعليقك هنا

اخبار مشابهة

اخبار مقترحة