منذ 2 يوم و 1 ساعة 0 546 0
“أثر الدلال الزائد على الأبناء: بين العقوق وضعف المسؤولية”
“أثر الدلال الزائد على الأبناء: بين العقوق وضعف المسؤولية”

أثر الدلال الزائد على الأبناء: بين العقوق وضعف المسؤولية

 

الإعلامي/ خضران الزهراني/الباحة

 

✍???? الإفراط في تدليل الأبناء يُعدّ واحدًا من أخطر الأخطاء التي يقع فيها الكثير من الآباء والأمهات، رغم نواياهم الطيبة في منح أبنائهم حياة مريحة ومليئة بالحب. إلا أن هذا النهج التربوي، إذا تجاوز حدوده الطبيعية، يتحول إلى عامل هدم لشخصيات الأبناء، وعقبة تعيق نموهم النفسي والاجتماعي بشكل صحي. عندما يتربى الطفل في بيئة يكون فيها كل طلباته مجابة دون شروط أو ضوابط، يتبرمج ذهنه على أن العالم يدور حوله، وأن الوالدين موجودان فقط لتلبية رغباته وخدمته. ومع الوقت، يفقد هذا الطفل الإحساس بالتقدير لجهود والديه وتضحياتهم، مما يؤدي إلى ظهور سلوكيات الجحود والعقوق، حيث يرى الطفل أن توفير كل ما يريده هو حق مكتسب، وليس نعمة تستحق الشكر.

 

إن هذا الأسلوب في التربية، القائم على الدلال المفرط، يُضعف قدرة الأبناء على فهم المعاني العميقة للحياة، مثل قيمة العمل، والصبر، وتحمل المسؤولية. فالأبناء المدللون غالبًا ما يكبرون وهم يفتقرون إلى الشعور بالمسؤولية تجاه أنفسهم أو الآخرين، لأنهم اعتادوا أن هناك دائمًا من يتحمل الأعباء عنهم. وحين يكبرون ويواجهون واقع الحياة الذي يتطلب الجهد والاجتهاد، يجدون أنفسهم عاجزين عن التعامل مع التحديات أو اتخاذ القرارات الصعبة. وبدلاً من أن يكونوا أفرادًا منتجين ومستقلين، يصبحون معتمدين على الآخرين في كل تفاصيل حياتهم، مما يؤدي إلى ضعف في تكوين شخصياتهم وقدرتهم على النجاح سواء في الحياة المهنية أو العلاقات الاجتماعية.

 

ولا يتوقف تأثير الدلال الزائد عند هذا الحد، بل يمتد ليؤثر على العلاقة بين الأبناء ووالديهم. فمع مرور الوقت، يتحول الأبناء المدللون إلى أفراد ناكرين للجميل، غير مدركين لما قدمه الوالدان من جهود وتضحيات، وقد يصل الأمر إلى حد العقوق والجفاء. وما يزيد الأمر سوءًا أن هذا العقوق لا يكون نتيجة كره أو قسوة من الأبناء، بل لأنه تربوا في بيئة لم تُعلمهم احترام الآخرين أو تقدير مشاعرهم.

 

أما على المستوى المستقبلي، فإن الأبناء الذين نشأوا على الدلال الزائد يواجهون صعوبة حقيقية في التكيف مع الحياة الواقعية. فهم يفتقدون المهارات الأساسية التي تساعدهم على تحمل المسؤوليات، سواء كانت في العمل، أو الزواج، أو التعامل مع أعباء الحياة اليومية. كما أن شخصياتهم غالبًا ما تكون ضعيفة وغير مستقرة، مما يجعلهم عرضة للإحباط والفشل في مواجهة أدنى التحديات. والأسوأ من ذلك أن هؤلاء الأبناء قد ينقلون هذا النمط من التفكير والسلوك إلى أسرهم المستقبلية، مما يؤدي إلى دائرة مستمرة من الأخطاء التربوية.

 

لذلك، فإن التربية السليمة تقوم على تحقيق التوازن بين الحب والرعاية من جهة، والحزم والانضباط من جهة أخرى. يجب أن يدرك الآباء أن حبهم لأبنائهم لا يعني تلبية كل طلباتهم دون قيود، بل يعني تربيتهم على القيم الصحيحة التي تساعدهم على بناء شخصيات قوية ومستقلة. يجب أن يتعلم الأبناء منذ الصغر أن الحياة تتطلب الجهد والعمل، وأن لكل شيء قيمة تستحق التقدير. كما ينبغي غرس مفاهيم الاحترام والشكر في نفوسهم، ليس فقط تجاه والديهم، بل تجاه كل من يقدم لهم خدمة أو مساعدة.

 

إن بناء جيل واعٍ ومقدر للجهود يبدأ من التربية الصحيحة في المنزل. على الآباء أن يدركوا أن دورهم ليس فقط في توفير الاحتياجات المادية لأبنائهم، بل في إعدادهم للحياة، وتعليمهم كيف يصبحون أفرادًا مسؤولين ومنتجين. فالأبناء الذين يتربون على الحب مع الحزم، وعلى الرعاية مع المسؤولية، هم من يستطيعون تحقيق النجاح في حياتهم، وبناء علاقات صحية مع من حولهم، ويكونون مصدر فخر لوالديهم ومجتمعهم.

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر
“أثر الدلال الزائد على الأبناء: بين العقوق وضعف المسؤولية”

محرر المحتوى

عامر الخياط
المدير العام
مدير التسويق في الصحيفة

شارك وارسل تعليق

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من إرسال تعليقك

أخبار مشابهة