"كرامات أهل غزة"
ما تزال المقاومة الفلسطينية منذ عملية "طوفان الأقصى"، تُسطر ملاحم بطولية وأسطورية ستُخلد في التاريخ بأحرف من ذهب، فلم يكن الإحتلال الذي يعتقد أن لديه أحد أقوى جيوش العالم، ودعم استخباراتي على أعلى مستوى، أن تقوم المقاومة بهذه العملية النوعية التي كانت مفاجأة بكافة المقاييس للإحتلال، بل والأكثر من ذلك هو الإستمرار في مواجهة هذا الإحتلال الذي يشن هجومًا على غزة بأبشع الصور برًا و بحرًا و جوًا، في محاولة لكسر إرادة المقاومة، ولكن هيهات هيهات.
صحيح أن الإحتلال استطاع تدمير معظم مباني قطاع غزة، ما أدى إلى استشهاد 37.834 فلسطينيًا، وإصابة 86.858 منذ السابع من أكتوبر الماضي، إلا أنه لم يستطع أن ينال من إرادة المقاومة التي لا تزال تلحق بالإحتلال الكثير من الأذى والتدمير، فلقد نشرت هيئة البث الإسرائيلية الرسمية تقريرًا أظهر صراخ جنود من جيش الإحتلال، -وشهد شاهدًا من أهلها-حيث حاصرت كتائب القسام16 جنديًّا من قوات الإحتلال في شقة ببيت حانون وتبادلت معهم إطلاق النار، وفي الفيديو يصرخ جنود الإحتلال ويطلبون المساعدة، وتقول هيئة البث الإسرائيلية إنها حصلت على مقاطع مدتها 50 دقيقة لهذه المعارك، وإن الجندي الذي كان يصوّر هذه المشاهد أصيب بجروج خطيرة، ويصرخ أحد جنود الإحتلال في الفيديو “ساقي ساقي، لا أستطيع التحمل، لا أستطيع التحمل”، ويصرخ الباقون طلبًا للمساعدة، ويعد هذا أول مقطع تنشره وسائل الإعلام الإسرائيلية يُظهر إصابات في صفوف قوات.
قدرة المقاومة على الصمود منذ تسع أشهر، وتفجير العبوات الناسفة في آليات الإحتلال دون أن يراهم جنود الاحتلال، يؤكد أن الله أنزل إليهم جندًا من السماء لموازرة المقاومة، وهناك الكثير من الشواهد على هذا الأمر، حيث تحدث الكثير من شهود العيان على أن منصات إطلاق الصواريخ كانت أمام أعين طائرات الإستطلاع الإسرائيلية، دون أن ترصدها، وأقسم آخرون على سماعهم لصوت خيل تقاتل معهم ، وصرح قائد سرية إسرائيلي في سلاح المدرعات الإسرائيلية “ميكي شربيط” في تقرير نشرته صحيفة "يديعوت احرونوت" العبرية على أنهم يحاربون أشباح في قطاع غزة، حيث قال: “إنها حرب أشباح… لا نرى مقاتلين بالعين المجردة".
ويوميًا تقوم المقاومة ببث الفيديوهات التي توثق عملياتها ضد الإحتلال، ففي أربع أيام فقط، نجحت المقاومة في تدمير 71 آلية عسكرية كليا أو جزئيا، كما قتلت 16 جنديا إسرائيليًا وأصابت العشرات منهم في محاور القتال المختلفة في قطاع غزة، ليس هذا فقط بل قامت بتفخيخ منزلين ونفقين في جنود العدو، وحقل ألغام في آليات وجنود الاحتلال، إضافة إلى عمليتي قنص واستهداف مروحية في سماء القطاع”، وأسقطوا “طائرتي استطلاع واستولوا على طائرة ‘درون’ أخرى”، ورغم الحصار لقطاع غزة والإمكانيات البسيطة، استطاعت المقاومة أن تسقط قنابل متفجرة على دبابة "ميركافا" من طائرة مسيرة للقسام، علاوة على استهداف آليات متنوعة بقذائف مضادة للدروع في محاور قتال مختلفة بمدينة خان يونس، وسط تكبيرات مقاتلي كتائب القسام .
ونجحت المقاومة في أسر المزيد من جنود الإحتلال الإسرائيلي منذ شهر تقريبًا، من داخل أحد الأنفاق في مخيم جباليا شمال غزة، وفقًا لما أعلنه المتحدث باسم كتائب المقاومة الفلسطينية ، حيث قال:«مجاهدونا نفذوا عملية مركبة عصر شمال القطاع حيث استدرجوا قوة صهيونية لأحد الأنفاق بمخيم جباليا»، رغم أن الإحتلال "أرسل روبوتات وطائرات بدون طيار مزودة بكاميرات فيديو إلى الأنفاق، وكلابًا يمكنها اكتشاف وجود متفجرات أو أشخاص.
"حفاة الأقدام وبسلاح فردي خفيف"؛ هذه المشاهد كانت أبرز ما لفت انتباه رواد مواقع التواصل الإجتماعي للفيديو الذي نشره الإعلام العسكري لكتائب المقاومة والذي أظهر هجوم مقاتلي الكتائب على جنود الاحتلال، والإجهاز عليهم في خيامهم بمنطقة جحر الديك في قطاع غزة، واعترف المتحدث باسم جيش الإحتلال الإسرائيلي دانيال هاغاري بأنّ جنوده يمرون بأوقات صعبة ومعقدة ويتعرّضون لمواقف غير مسبوقة في العمليات العسكرية المستمرة في قطاع غزة. وأضاف هاغاري أنّ الجيش يواجه أمورا لم يتعرض لها من قبل.
ووفقا لأرقام جيش الإحتلال، ارتفع عدد العسكريين القتلى في صفوفه منذ 7 أكتوبر الماضي إلى 668 بينهم أكثر من 314 قتيلا سقطوا، منذ بدء الإجتياح البري الواسع للقطاع أواخر الشهر ذاته، في حين تقول المقاومة الفلسطينية إن خسائر جيش الاحتلال أكبر من ذلك بكثير، وكشفت تقارير إعلامية إسرائيلية، أن أكثر من 64 ألف جندي يعالجون حاليا في مركز إعادة التأهيل التابع لوزارة الدفاع، من بينهم 8 آلاف يُعالجون من اضطراب ما بعد الصدمة، ومن المتوقع أن يستقبل المركز 20 ألف مجند آخرين مع استمرار القتال في قطاع غزة، ومن مظاهر الاضطرابات النفسية الهائلة زيادة عدد الجنود الذين تم تسريحهم من الخدمة بسبب ما يعانونه من مشكلات نفسية، وهي الأعداد التي تقدرها بعض التقارير الإسرائيلية بنحو 90 جنديًّا.
وأخيرًا وليس آخرًا، فإن الحرب التي تشن على قطاع غزة منذ تسع أشهر تقريبًا من أحد أقوى جيوش الأرض كما يدعي الاحتلال، أثبتت بأن الحق حتمًا سينتصر، مهما طال الظلم، ومهما كان الظالم، وبأن الشعب الفلسطيني يتشبث بأرضه، فلم يعرف أحدًا شعبًا يدافع عن أرضه أمام محتل مغتصب، مثلما يفعل الشعب الفلسطيني مع الاحتلال.
"إن ينصركم الله فلا غالب لكم"
الكاتب أ.د : محمد أحمد بصنوي .