نعمة أم نقمة؟
الغيرة، هذه الكلمة التي كلما ترددت على مسامعنا شعرنا بكم هائل من الضغينة والشر المنبعث من داخل النفس، فهي عاطفة معقدة أثارت اهتمام الفلاسفة وعلماء النفس والشعراء لعدة قرون. وغالباً ما يُنظر إليها على أنها قوة سلبية، تسبب الصراع والتعاسة في العلاقات، وذلك لما طُبع في ذاكرتنا عن طريق الأعمال الفنية والأدبية المختلفة، وتصويرها على أنها قوة جبارة ومدمرة. لكنها ليست دائماً بهذا السوء
فالغيرة تُعرف منذ قديم الزمان على أنها ذلك الشعور الذي يثير فينا الكثير من التناقضات والمشاعر المتضاربة، فهي في بعض الأحيان تُلقي بظلالها السوداء على علاقاتنا وتعكر صفو حياتنا اليومية، ولكن هل فكرت يوماً في أن الغيرة قد تكون نعمة؟ نعم، قد تكون الغيرة نعمة، إذا تمت إدارتها بحكمة وصبر، واعتُبرت دافعاً للتطور السريع في خطوات حياتك. ولذلك فالغيرة في الأصل صفة محمودة ومطلوبة في كل مجالات الحياة، فهي ما يمكن من خلالها أن تكشف حقائق أعمق حول الطبيعة البشرية وتكون بمثابة حافز للنمو الشخصي والتنمية.
فمثلا في عالم الأعمال، يُعَد التنافس والغيرة من العوامل الأساسية التي تحفِّز الأفراد والمؤسسات على الابتكار وتحقيق النجاح. إنها الغيرة التي تدفع روح المنافسة للظهور، وتجعل الأفراد يسعون جاهدين نحو تحقيق أهدافهم وتفوقهم على الآخرين. إنها الغيرة التي تولِّد رغبة قوية في تطوير الذات والإرتقاء بالمستوى المهني، فتُصبح حافزًا للإبتكار والتفوق.
وما أجمل أن تكون الغيرة عنصرًا محفِّزًا للتطوير والإبتكار إذ تجعل القادة يسعون بكل جهد وإصرار نحو تحقيق التفوق والتميز، وتحفِّزهم على البحث عن أفضل الطرق لتحقيق الأهداف المرسومة وتحقيق رؤى المؤسسة.
ولكن، هناك جانب آخر من الغيرة يجب ألا نُغفِلَه، فالغيرة إذا لم تُدار بحكمة قد تتحول إلى عائقٍ يُعيق التقدم والتطور "وهو بالمناسبة الجانب الأكثر انتشارا في عالمنا". إذ إنها في بعض الأحيان قد تؤدي إلى تفكيك الفريق وزعزعة الثقة بين أفراده، وذلك ما يعيق التعاون والتنسيق بينهم، وبالتالي يؤثر سلبًا على أداء المؤسسة برمتها.
لذا، يجب أن تتعلم كيف تدير غيرتك وتتحكم بها وتضبطها بين الفرد والفريق، فالغيرة إذا تمت معالجتها بشكل إيجابي وبنَّاء، قد تُصبح محركًا للتطور والإبتكار، وتُعزز الروح التنافسية بين الأفراد والمؤسسات، مما يسهم في تحقيق نجاحات جديدة وتطوير مستمر في مجال الإدارة والقيادة.
وباعتبارها جزءاً لا يتجزأ من الحياة الإنسانية، يجب أن ننظر إلى الغيرة كنعمة كبيرة في حياتنا وحافز لنا على التقدم. فعلى الرغم من أنها قد تثير الضغينة والشر في بعض الأحيان، إلا أنها أيضاً يمكن أن تكون محفزاً للتطور والتحسين المستمر،
فتحويل الغيرة من مشاعر الضغينة إلى دافع للتطور ليست بالسهولة التي نتخيلها، كما أنها عملية لا يستطيع عليها إلا شخص حكيم ذو قدرة على فهم ذاته، وذلك كأنك تقف أمام مرآة الذات، حيث ينبغي لك أن تقبل بصدق على مشاعرك وأفكارك دون تلوين أو تشويه.
وفي نهاية المطاف، الغيرة هي عاطفة معقدة ومتعددة الأوجه تعكس أعمق رغباتنا ومخاوفنا وانعدام الأمن. ومن خلال فهم أصولها وتأثيراتها، يمكننا أن نتعلم كيفية تسخير قوتها لتحقيق النمو الشخصي وإقامة علاقات أكثر صحة وإشباعًا. فقد تكون الغيرة بالفعل نعمة كبيرة في حياتنا وشرارةً تضيء طريقنا نحو التطوير والنجاح، وترشدنا نحو قدر أكبر من الوعي الذاتي والتعاطف والحب، وقد تتحول أيضاً في أي لحظة إلى نارٍ تحرق كل ما بداخلنا.
الكاتب / طارق محمود نواب