مقبرة الاكسسورات الخارجية
يشكل الجمال المظهري، بصفته نقطة النظر الأصلية والعمود الفقري للنقاش، إحدى القضايا الحساسة والراقية والبارزة في مجتمعنا الحديث والعصري، حيث يكون الظاهر الخارجي والجاذبية الجمالية، البالغة بعمقها وإنسانيتها، لهما أهمية كبيرة وتأثير جوهري على التفاعل الإجتماعي للفرد وقدرته على التواصل والتفاهم المتبادل مع الآخرين. فقد باتا يعتبران ضُرورَتَيْنَ لقبول الفرد في محيطه الإجتماعي وللمحافظة على مكانته ومركزه في هذه البيئة المجتمعية التي يُعاش فيها. وعلى الرغم من هذا الإتساع الملحوظ لدور الجمال المظهري، يجب علينا أن نتعامل مع هذا المفهوم وانعكاساته بحنكة ووعي وتوجه رصين ومستدام، لئلا يُفرَطَ فيها ويَفْلُتَ الفرد من بين يديه هدفه الأصيل وتصبح له مجرد أعباء إضافية غير مرغوب فيها وضغوط نفسية غير محمودة،
حيث إنّ الإعتراف بأن الجمال قابل للتغيّر من ثقافة لأخرى ومن شخص لآخر، يسهم في تجنب ظاهرة المقاييس الثابتة والخرافات حول الجمالية. فيجب على المجتمع أن يرفع منوال الغلوّ في الجمال وأن يدفع إلى اعتماد مفهوم شامل وهو شخصية الفرد وقدراته الفكرية والروحية، وبدلاً من الإنتظار من الفرد أن يتوافق مع المعايير الجمالية المرسومة من قبل المجتمع أو وسائل الإعلام، يجب علينا أن نحثه أن يكون نسخة مثالية من نفسه وذاته وألا يخفف من قيمته الشخصية إذا لم يستوفِ المقاييس المفروضة.
حيث تكمن التحديات الحقيقية في ظروف المجتمع الحديث الذي يعيش فيه الفرد... فالوسائل الإعلامية ووسائل التواصل الإجتماعي تصوّر معايير الجمال الواضحة وتُركز على المظاهر الخارجية والصورة المثالية. وبذلك، تضغط هذه الوسائل على الفرد لتحقيق هذه المعايير، وبالتالي تُثقل من كاهله، كما يمكن أن ينجم عن ذلك آثار سلبية على الصحة النفسية، مثل اضطرابات الصورة الجسدية وتدهور الثقة بالنفس،
وعلاوة على ذلك، فإن الضغوطات جاءت من مجالات الحياة المختلفة، مثل العمل والدراسة والعلاقات الإجتماعية، إذ يعتمد فى بعض المجتمعات النجاح وتقديم الفرص على المظهر الخارجي للشخص، مما يولد ضغوطات كبيرة على الأفراد للحفاظ على مظهر مثالي. ومن هنا، نشهد آثار سلبية على الصحة النفسية والتوازن النفسي للفرد، مما يضعف من قدرته على التواصل وتحقيق النجاح في حياته،
وإضافةً إلى ذلك، تأتي التحديات الجسدية المرتبطة بعمليات الشيخوخة كمصدر إضافي للضغط والتحدي. فكلما تقدم الشخص في العمر، يصبح أكثر حساسية للتغيرات الجسدية الطبيعية، مما يزيد من إحساسه بعدم القبول والتجاهل. ومع ذلك، يجب أن نفهم ونقبل أن التغيرات الجسدية هي جزء طبيعي من الحياة ولا يجب أن تحد من قدرة الشخص على تحقيق الرضا الذاتي والإستمتاع بحياته،
ويكمن حلّ هذه المشكلة يتطلب فقط زيادة الوعي والنقاش العمومي بأهمية الجمال الداخلي والتنوّع وقبول الذات. كما يجب أن نساهم في تغيير المفهوم السائد ونؤكد على أهمية أن يرى الفرد نفسه وقيمته خارج المعايير الجمالية فحسب، بل إلى جانب تشجيع الفرد أن يتعلم وأن يُقيم نفسه بناءً على إبداعه وتحصيله الفكري وإسهامه في المجتمع، وأن ندعم بعضنا البعض وأن نعزز ثقة الفرد بنفسه وقدراته، وبأنّ قيمته لا تعتمد فقط على مظهره الخارجي بل تتجاوز ذلك لتشمل الأبعاد الروحية والفكرية والإنسانية.
خلاصة القول، ينبغي علينا كمجتمع أن نعلم اهمية الجمال المظهري وتأثيره على الفرد والمجتمع، كما يجب علينا المساهمة في تخفيف الضغوط والتحديات المرتبطة بهذا المفهوم من خلال تغيير المفاهيم الجمالية السائدة ورفع الوعي بأهمية الجمال الداخلي وتقدير الذات. وينبغي أيضاً أن نؤكد على أن قيمة الفرد لا تعتمد بشكل حصري على مظهره الخارجي، بل تتجاوز ذلك لتشمل الصفات والقدرات الفكرية والروحية.
الكاتب / طارق محمود نواب
اعلامي بشبكة نادي الصحافة