" تعليم عن بعد أم فشل عن قرب! "

سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر

سلسلة لقاح الوعي بالعشرية  7         


  " تعليم عن بعد أم فشل عن قرب! "
 بقلم: بروفيسور/ محمد احمد بصنوي
 
لم تؤثر أزمة كورونا على العالم  صحيًا واقتصاديًا واجتماعيًا  فحسب، بل امتد هذا التأثير إلى التعليم، فقد أدت هذه الأزمة لأكبر انقطاع عن الدراسة  في العصر الحديث، فوفقًا لليونسكو تضرر  ما يقرب من 1.6 مليار طالب، أي ما يقرب من 80% من الطلاب الملتحقين بالمدارس على مستوى العالم.
 
وللحيلولة دون تحول ازمة كورونا إلى كارثة تعليمية، لجأت الكثير من الدول إلى ما يسمى بالتعليم عن بعد، فانقطاع الدراسة لمدة عام أو عامين بسبب أزمة كورونا، ليس له تبعات كارثية على مجال التعليم فقط ، بل سيؤدي إلى كوارث اقتصادية، فلك أن تتخيل  حجم التأثير إذا توقفت الجامعات والمدارس على مستوى العالم لمدة عام او اكثر، بالتأكيد سيكون لهذا الامر تبعات اقتصادية مدمرة، في ظل عدم تلبية احتياجات سوق العمل، خاصة مع  حاجة العالم لتحفيز التقدم الاقتصادي بعد انتهاء الازمة.
 
 إن الكثير من دول العالم لجأت إلى التعليم عن بعد، لعدم قدرتها على تحمل التبعات الاقتصادية لوقف الدراسة، ولكنها لم تضع في الاعتبار السلبيات الناتجة من التحول لهذا النوع من التعليم، أو بمعنى آخر تناست هذا الأمر، فالطالب لا يذهب إلى المدرسة لتعلم العلوم النظرية والتطبيقية فحسب، ولكنه يذهب ليقيم علاقات اجتماعية ، ويكتسب الخبرات من المعلمين القدوة  ، ويتعلم كيف يكون مواطناً، ويطور من مهاراته الاجتماعية، فبدون المدرسة يصبح لدينا شخص انطوائي، لا يستطيع أن يتعامل مع العالم الخارجي،  ولذا من الضروري الحفاظ على التواصل مع المدرسة بأي وسيلة لازمة.
 
إن البعض قد يتحدث بأن التعليم عن بعد، يحل الكثير من مشاكل الدول النامية في تقليل كثافة الفصول الدراسية، ولكن من يطرح هذه الأمر يتناسى سواء سهوًا أو متعمدًا بأن الدول التي تعاني من  كثافة في الفصول الدراسية، أو نقص  في عدد المدارس، ليس لديها بنية  تحتية أو تكنولوجيا للاعتماد على  التعليم عن بعد، فهنالك ما لا يقل عن ٤٠٪ من طلاب المدارس في المنطقة العربية لا تتوفر لديهم وسائل التعلم عن بعد، أي ما يقارب ٤٠ مليون طالب محرومين من التعليم بحسب تقديرات منظمة اليونيسيف التابعة للأمم المتحدة، وبالتالي فإن التحول  للتعليم عن بعد  في هذه الدول، يعني إبعاد هذه النسبة بصورة شبه كاملة عن التعليم، فكيف يتعلم الطالب إذا لم تتوفر لديه الحد الادنى من الوسائل التكنولوجيا والانترنت الجيد، ناهيك عن أن الاعتماد على التعليم عن بعد بمفرده،  يؤدي إلى الكثير والكثير من السلبيات، خاصة على سلوك ونفسية الأطفال.
 
لا أستطيع ان أتفهم البحث عن الحل السهل في هذه الأزمة، واللجوء إلى التعليم عن بعد، خاصة في مراحل التعليم الأولية، فلا يوجد مبرر لعدم البحث عن حلول أخرى، والقول بأن هذا هو الحل الأوحد للتعامل مع  التعليم في ظل أزمة كورونا،  فلماذا لم نلجأ إلى أسلوب التعليم "الهجين" أو المختلط أي الجمع ما بين التعليم عن بعد والتعليم في المدرسة، مع تخفيض عدد أيام الدراسة في المدرسة لثلاثة أيام ، والدراسة ثلاثة أيام عن بعد، وبذلك نكون خفضنا كثافة فصول الدراسة للنصف، وتحقيق التباعد الاجتماعي، وبالتالي تقليل خطر الإصابة،... علينا أن نبحث دائمًا عن حلول خارج الصندوق، للحفاظ على مستقبل جيل كامل.
 
من المجحف القول بأن "التعليم عن بعد" لا توجد به أي  إيجابيات، ولكن من غير المنصف أيضًا ذكر الإيجابيات دون الحديث عن السلبيات،  فالتعلم عن بعد قد يلعب دورًا هامًا في إثراء المحتوى التعليمي، ولكن لا يجب الاعتماد عليه بصفة كاملة، لما له من أثار سلبية  مثل التأثير بشكل  سلبي على نمو الأطفال، وزيادة الخلط بين الواقع الحقيقي والافتراضي لدى المتأثرين بالتكنولوجيا والوسائط الرقمية، مما يؤدي لإطالة مرحلة النضج والاستقلالية وتنمية الشعور بالمسؤولية، والكثير من التفاصيل التي  ذكرنها في مقال "التعليم عن بعد نكبة ام تطوير".
 
إن هناك الكثير من الأسئلة التي تطرح نفسها بقوة الآن وتتمثل في: هل نجح التعليم عن بعد، وهل خرج من الدعاية والترويج إلى التطبيق الحقيقي، وهل اندمج  كل الطلاب في هذه المنظومة، وهل وضع الانترنت في كل انحاء البلاد يسمح بالاعتماد على التعليم عن بعد؟، أسئلة كثيرة تبحث عن إجابة، ولكن من خلال معايشتي أجد أن الكثير من  الطلاب يعتبرون أنفسهم في عطلة مفتوحة منذ التحول نحو التعليم عن بعد، بل أن بعض الدول قامت ببعض الاختبارات الغير واقعية، وقامت بنقل الطلاب إلى المستوى الأعلى، ولم يتحدث أحد عن النتائج السلبية لمثل هذا الإجراء، على صعيد التحصيل الدراسي التراكمي.
 
 لست ضد التطور والتقدم والتعامل مع التكنولوجيا الجديدة، فلا يمكن أن نتقدم إلا بالتعامل بهذه الوسائل، ولكن  ما أريد أن أقوله بأن التعليم عن بعد لا يصلح لكافة المراحل التعليمية، فالتعليم عن بعد  في المراحل الأولى  في حاجة إلى مراجعة، خاصة إذا علمت أن 52% من الطلاب السعوديين لا يتقنون القراءة، و67% لا يتقنون أساسيات الرياضيات، وفقًا لمنظمة  التنمية والتعاون الاقتصادي، فكيف يستطيع هؤلاء الطلاب التعلم عن بعد، وهم غير قادرين عن التعلم عن قرب، أو بالأحرى أننا فشلنا في تعليمهم، فالمراحل الأولى في حاجة  إلى الوجود الدائم  للأهالي لمراقبة أولادهم، حتى لا يحدث مما يسمى التسريب الافتراضي، فالطالب في المراحل الأولى في حاجة إلى  المدرسة التقليدية لتعليمه أساسيات القراءة والكتابة، خلاف أن المدرسة لديها دور تربوي،  لا يمكن أن يتوفر من خلال التعليم عن بعد.
 
 وأخيرًا وليس آخرًا، فأن ازمة كورونا شكلت صدمة  غير مسبوقة عالميًا في مجال التعليم، وتسببت في رجوع عقارب الساعة إلى الوراء، خاصة في الدول النائمة التي تعاني بالفعل من  ضعف عمل منظومة التعليم،... ليس الهدف من حديثي الانتقاد على لإطلاق، ولكنني اسعى فقط إلى الارتقاء بمستوى التعليم، فالتعليم هو أساس الحياة.

بقلم: أ.د محمد احمد بصنوي


غاليه الحربي غاليه الحربي
المدير العام

المالكة ومدير عام ورئيس تحرير صحيفة شبكة الصحافة للنشر الالكتروني - مدير عام المنابر التعليمية والتربوية بالشبكة

0  362 0

الكلمات الدلالية

آخر المعجبين بالخبر

التعليقات


اكتب تعليقك هنا

اخبار مشابهة

اخبار مقترحة