جثة

سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر
هل كنتم تتوقعون أن أخبركم باسمي ؟ حسنا .. سوف أطلعكم عليه .. ولكن لاحقا بعد أن ينتهي هذا الطبيب من التشريح . طولي ١٤٥سنتمترا .. وزني 65 كيلا .. شعري كستاني طويل .. طالبة جامعية . سحبني من الدرج الرابع عشر .. وضعني على طاولة فضية طويلة .. ياااه كم كانت باردة جدا خاصة بعد أن جردني من كل ملابسي !  وانسدل شعري مجدولا عليها.. ثم ألقى بغطاء كحلي اللون فوق نصفي السفلي . كانت الطاولة طويلة تميل إلى العرض قليلا .. وكانت ذات مرشات جانبية مزودة بثقوب  في الجانبين والمنتصف تسمح بمرور الماء من خلالها  أو أي سوائل أخرى .. وفوق تلك الطاولة - أيضا - ثُبّتت مصابيح  بيضاء كبيرة دائرية الشكل وذات إطار أزرق .. أما الغرفة التي  وُضِعت بها تلك الطاولة المسجى جسدي عليها فتنتصب على جانبيها أربعة دواليب .. خصص الأول منها للشراشف والأكفان .. أما الثاني فكان من نصيبه صناديق القفازات والكمامات والملابس الواقية ؛ التي دائما ما يرتديها أطباء التشريح عند مزاولة  أعمالهم . شرع الطبيب بتسجيل بياناتي شاخصا بيني وبين الدولابين الآخرين فلم أستطع التعرف  على محتوياتهما .. ثم تفحص  نظارته استعدادا لإكمال مهمته . من تلك الغرفة المشيدة خارج  مبنى المستشفى تفوح رائحة الموت .. حقا إنها رائحة الموت التي ستجعل هذا اليوم طويلا علي .. وستجعلني أتذكر مأساتي بكل تفاصيلها .. فلقد وُجدتُ  مرمية في طريق إحدى المزارع المهجورة البعيدة عن العمران وقد اغتالت أشعة الشمس رطوبة جثتي .. وبدأت جيوش الحشرات  تشن حربا ضروسا عليها من كل جانب بعد أن مرت خمسة أيام دون أن ينتبه لوجودي أحد .. ولو كنت أملك القدرة وقتها  لعرفت كيف انتقم من كل تلك الحشرات التي حاولت التحرش بجسدي . كان المنظر مؤسفا للغاية فقد تبعثر كل شيء حولي .. خسرت فستاني الجديد الذي اشتريته في الأسبوع الماضي واتسخ بالتراب وبقع الدم .. ثم انكسر أحد أظافري ذو الطلاء الأحمر .. كم كان لونه متناسقا مع لون فستاني الجميل ! كل  الأشياء الجميلة ذهبت مع الريح وتفحمت حين انقلبت بنا تلك السيارة : بطاقتي الشخصية .. بعض الحلي الذي كنت ألبسه .. وبعض الصور لأمي وأبي وأختي الكبيرة ( حنان ) التي هي الآن في بعثة دراسية خارج البلاد .. كنت الناجية الوحيدة من بين من استقل تلك السيارة المشؤومة ولكن  بجسدي فقط دون روح . شرع الطبيب بفتح أول حوض ( كلوي ) يحتوي على بعض الإبر ؛ لعمل التحاليل المخبرية اللازمة .. على فكرة : أنا جبانة وأخاف الإبر لكنه سيتمكن مني اليوم ؛ لأني لا أستطيع الهروب منه .. مد ذراعي الأيسر وملأ إحدى ( السرنجات ) مايقارب الخمسة ( مل )  . ثم استدار للطرف الآخر مراجعا خطاب طلب التقرير .. ثم عاد إلي وبدأ بفتح فمي لمعاينة  مدى الأضرار التي لحقت به ..  كان أحمر الشفاه الذي كنت أضعه قد مال إلى اللون  الغامق بعد مرور تلك الفترة تحت أشعة الشمس الحارقة ثم أغلق فمي وتناول سجل ملاحظاته وكتب : لقد كسر السن الذي كنت قد البسته بطبقة مذهبة العام الماضي . عاد الطبيب مرة أخرى وأدار رأسي يمينا ثم شمالا .. لا كدمات ولا آثار لخنق  .. ولا شبهة جنائية .. تفحص شعري لكنه وجد فيه القليل من القشرة التي أصابته قبل أسبوع ولم أستطع السيطرة عليها .. كذلك لم يجد أي جروح في رأسي سوى القليل من الزجاج الذي انغرزت شظاياه في وجهي وحول عيني ..ثم سجل جرحا بسيطا في خدي الأيسر . تقدم لصدري ولبطني ــــ أيضا ـــــ لا أثر لكدمات سوى ثقب في الجانب الأيمن تحت الكبد وبقايا دم متجلط حول المنطقة .. بعدها توقف الطبيب عن الفحص .. وسعدت جدا بذلك ؛ لأنني خشيت أن يمتد فحصه لساقي  لكنه لم يفعل . عاد الطبيب للسجل مرة أخرى مكملا التقرير .. ثم التقط إحدى المرشات عن يميني وبدأ برشي بالماء .. كم كان ذلك الماء باردا ! حقا لا أحد يهتم بنا فنحن لسنا إلا جثث لا تحس .. شعرت بجسدي يتجمد من شدة البرودة .. أقفل المرشة وتركني على الطاولة ؛ لينساب ماتبقى من الماء عن جسدي نحو أسفل الطاولة .. بعد مرور ( ربع ) ساعة عاد الطبيب ومعه شخص آخر .. ثم وضعاني فوق سرير لكنه من الجلد هذه المرة .. ثم دثراني بلحاف أبيض ، وقبل أن ينتهيان من ذلك طُرق  الباب ودخل شخص متجهم الوجه وقد وضع فوق عينيه نظارة سوداء وشرع يقلب وجهه في الغرفة ثم سأل : هل هذه هي الجثة ؟ أجابه الطبيب:  نعم . فأعطاه ورقة أخرى وطلب منه إضافتها أيضا إلى التقرير .. انتابت الطبيب حالة من السعال المتقطع وانتابتني حالة من الخوف ! ما الذي تبقى ويودون فحصه أيضا ؟ تناول الطبيب الورقة وقال له : حسنا ولكن الآن انتهت فترة عملي وهاهي الساعة تشير إلى الثانية عشر .. ستكون معكم طبيبة أخرى من نفس التخصص .. وضع الورقة بجانبي على الطاولة ثم غطى جسدي بشرشف كحلي قائلا لي ــــ بعد انصراف الضابط ـــــ ارقدي بسلام واطمئني فستكون معك بالتأكيد الطبيبة كوثر بعد قليل . خرجو جميعا وأغلقوا الباب خلفهم .. تمنيت لو أني لم أزل على قيد الحياة ؛ لأخبرهم  بتفاصيل الحادث .. ومن أكون أنا . حضية خافي


جمعه الخياط جمعه الخياط
المدير العام

مدير الدعم الفني

0  767 0

الكلمات الدلالية

آخر المعجبين بالخبر

التعليقات


اكتب تعليقك هنا

اخبار مشابهة

اخبار مقترحة